تعتبر الأمة الإسلامية الوحيدة بين الأمم في امتلاكها لتراث عظيم كان نتيجة لتراكم مجهودات علمائنا العظام، وقد عرف الدكتور عبدالكريم بكار التراث بأنه: «مجموعة عطاءات الآباء والأجداد على المستوى الروحي والمادي عبر تفاعلهم مع الدين وضمن خضوعهم لقيود الزمان والمكان اللذين تم الإنجاز فيهما».
ومما تجدر الإشارة إليه إلى أن العديد من الباحثين أكدوا أن القرآن والسنة لا يعتبران من التراث لأنهما ليسا من نتاج الآباء حيث إنهما يمثلان قطعيات لا نحيد عن الإيمان بها.
لكننا حين نتناقش حول كتب التراث فإن أذهان الكثيرين تنصرف إلى المجال الديني، وهذا خطأ فادح لأن التراث يحتوي -إضافة للكتب الدينية- كتب اللغة والتاريخ والنظم والأدب وغيرها، لذا فنحن نلحظ من البعض إضفاء نوع من القداسة على كل ما جاء في التراث.
ولو أردنا أن نحدد موقف الناس من التراث لوجدنا أن هنالك صنف جاحد لكل ما فيه ويعلن ذلك بكل صراحة حيث يقول أحدهم: «هذا التراث كله بالنسبة إلى عصرنا فقد مكانته، لأنه يدور أساساً على محور العلاقة بين الله والإنسان، على حين أن ما نتلمسه اليوم في لهفة مؤرقة هو محور تدور عليه العلاقة بين الإنسان والإنسان».
وصنف ثان يظهر أنه ينتقي ما يوافق الشرع وفي الحقيقة أن الهوى يعتبر معياره الأساسي فمثلاً نجد منهم من يشكك في صحة الأحاديث الصحيحة ويحاول إبراز النوايا الحسنة وهو بعيد جداً عن التخصص الذي يمكنه من تحديد الصحيح من الضعيف.
وصنف ثالث يوافق على كل ما جاء فيه دون أدنى محاولة للتمحيص والتدقيق، وصنف رابع لا يوافق على كل ما جاء بعد عهد الخلفاء الراشدين، وصنف خامس ينتقي منه ما يوافق النصوص الشرعية الصحيحة وفق منهجية علمية راسخة وهذا هو الصنف الأصلح والأقوم.
ولا بد أن نتذكر دوماً أن التراث هو في حقيقته يمثل واقعاً لمن سبقنا، مثلما أن واقعنا اليوم هو تراث لمن بعدنا، لذا فإن لكل جيل الحق في مراجعة ما أوجده من سبقهم من آراء واجتهادات، وهذا هو ما فعله سلفنا الصالح في كل مراحل التاريخ.
ومنذ 3 عقود تقريباً زاد الاهتمام بطباعة آلاف الكتب التراثية وهو مؤشر مميز لكن للأسف فإنه يوجد من بينها ما هو غير مناسب أبداً حيث يوجد بها الكثير من اللبس، والعجيب أن بعضها لم تقرأ في الزمن الذي ألفت فيه، كما أن عدداً منها لم تعد له حاجة لها في عصرنا الحالي، إضافة إلى وجود عدد منها طبع دون تحقيق أو قد يكون من حققها أناس ليسوا على قدر من العلم والفهم.
وحين نتأمل في واقع عدد من طلبة العلم الدارسين للكتب الدينية التراثية نلحظ أن منهم من يحفظ عشرات المتون العلمية دون أن يعمل عقله فيها، حيث يكتفي بالحفظ دون الفهم وهذا قد يؤدي إلى التخبط في النظر والتقييم لبعض القضايا المعاصرة، لكن المنهجية الصحيحة التي يسير عليها العلماء هي الجمع بين الحفظ والفهم والتفكير.
إن الحاجة ملحة في أن يتم تفعيل مؤسسات متخصصة تجمع الباحثين في مختلف الفنون لمراجعة وتمحيص كتب التراث وتنقية ما علق بها من شوائب وفق منهجية علمية نقية.
- أبها