لاشك أن كل مثقفة جداوية صُدمت بنتيجة انتخابات جدة الأدبية على مستوى «التمثيل النسائي»، وهي صدمة أعتقد من الضروري أن تستدعي من كل مثقفة أن تُلزم نفسها بقراءة جادة لأسباب سقوط المثقفة الجداوية في الانتخابات الأدبية.
فكل مثقفة جداوية سواء داخل الجمعية العمومية للنادي أو خارجها تتحمل نتيجة ذلك السقوط، بشكل أو بآخر، ولذلك لابد من مكاشفة شفافة لأسباب ذلك السقوط الذي أذهل الجميع، وكسر قارورة أسطورة المرأة الجداوية ودورها الريادي على مستوى السعودية.
قراءة جادة لمبنِنيات التوقعات التي خدعت المثقفة ووعدتها بالكسب، وقراءة جادة للمبنيات التي أدت إلى حصول ماهو عكس تلك التوقعات، و»البينة» في كلا الحالتين الوعي التطبيقي بفئتيه الداخلية والخارجية، التاريخية والواقعية، لنكتشف أن الرهان على القيمة التاريخية زيّف وأن التاريخ لا يحمي الضعفاء ولا يصنع لهم سلطاناً، فالتاريخ «لسان لا يد»، ونكتشف أن الرهان الأصح هو «رهان الكائنية» لأنها هي التي تملك اليد والقدم والفأس.
لقد راهنت كل مثقفة جداوية بما فيهم «أنا» على وصول المثقفات إلى «تمثيل مناصف» في المجلس خمس مثقفات مقابل خمسة مثقفين، ولا أبالغ القول إن ذكرت أن هذه المراهنة كانت على «قيد الوثوق والتأكيد» لا الاحتمال والمفاوضة.
كما راهنت المثقفات على وصول المثقفة إلى «منصب النيابة» صحيح أن الرهان هاهنا لم يكن على «قيد الوثوق والتأكيد» وكان على «رُتبة الاحتمال» لكنه «الاحتمال المؤكد»، وهذا الاحتمال المؤكد لم يكن خاصاً بالمثقفة الجداوية بل وشاركها في هذا الاحتمال مثقفات السعودية وبعض المثقفين.
فتوقعها إذن لم يكن خاصاً حتى ترتاب في منطقيته «فالعمومية توجب المنطقية» أو مُلفقا حتى تشك في مصداقيته «فالمشاركة دليل الصدق».
كانت المسألة عندها أشبه؛ بأن المقدمات المنطقية تؤدي إلى النتائج الملزمة بنوع وقيمة المقدمة المنطقية، ولا أدري إن كان فكر المثقفة الجداوية وفق سلم تلك المسألة رافق الصواب أو جانبه وفقاً للمبنيات الخارجية التي أهملتها.
وعلى حدّ الاعتبارين يمكننا حسب تلك المسألة ضمن حيّز «المنتهية الصلاحية» وفق الحاصل المخالف لمسلّمتها، وإبدالها بأخرى تتوافق مع الحاصل المرفق بالمبنِيات الخارجية الذي تأثر المكتسب بفاعليتها.
وإذا كانت المثقفة الجداوية بنت حاصل مفترض وفق مسلّمة معقولة تاريخياً؛ أي «وجوب المكتسب لوجود قيمة تاريخية»، فيمكننا الآن بناء «مسلّمة» وفق حاصل حقيقي أي؛ «وجود مكتسب لوجوب قيمة نفعية نافذة».
«ووجوب القيمة النفعية النافذة» اعتمدت على مرتكزين الأغلبية والمشروع الجمعي، وإذا كانت الأغلبية مصدرها التفقيطيّ «الكم» فالمشروع الجمعي مصدره «الكم والكيف» لأن لا مشروع جمعي دون «تكتل فكري»، وهذا ما لم تستطع المثقفات الجداويات استيعابه.
لقد راهنت المثقفة الجداوية في تحقيق حاصل في الانتخابات جدة الأدبية على «الدور التاريخي والريادي للمرأة في جدة» دون أن تراعي الفاصل التاريخي بين الأزمنة المتحركة، وأن تتنبه إلى «التغير البنيوي» للوعي الثقافي الجداوي، ودون أن تهتم بخطورة الصراع النوعي على إضعاف المكتسب، ودون أن تجتهد في توحيد الصف النسوي وتأسيس العمل الجمعي المشترك.
وقبل كل ذلك دون أن تدرس «خلفيات وعي الأغلبية» «وعي المثقف» وعي الشريك الإلزامي لها في هذه المعركة ومعرفة نقاط ضعفه لتستثمرها لمصلحتها، والمصلحة هنا لا أقصد المصلحة المُجيّرة للفردية بل المصلحة المُجيّرة «للمشروع الجمعي».
دخلت المثقفة الجداوية مستندة بالتفقيط على الدور التاريخي للمثقة الجداوية «الرمز/ العينة/ الشخصية الاعتبارية» ظانة أنها تمثل «كفاية آحادية» لوجوب المكسب، وأن «الفردية» المضافة «بالتبعية» «للرمز التاريخي» ستمنحها بالضرورة «المكسب المتفرد»، فرفضت واستكبرت على «العمل الجمعي» الذي بنى في السابق «الريادة التاريخية» للمرأة.
لتُصطدم فيما بعد «بسقوطها» الذي أدهش الجميع وكسر قارورة أسطورة «المثقفة الجداوية» وأنتج «تمثيل أقليّ نسائي في مجلس النادي الأدبي».
لقد كان سقوط المثقفة الجداوية في انتخابات جدة الأدبية بسبب «خيانة المثقفة في الجمعية للدور التاريخي الريادي للمرأة الجداوية» وبسبب «تخاذلها في تأسيس عمل نسوي مشترك» يواجه «الأغلبية الذكورية» مما أضاف إلى صفة «الأقلية» صفة «الضعف».
إضافة إلى أنانية بعض المثقفات اللائي لم يؤمن بالمشروع النسوي وأهميته في إشراك المرأة في صناعة القرار الثقافي.
لقد كشفت الانتخابات الأدبية «هشاشة» إيمان المثقفة الجداوية بالمشروع الثقافي للمثقفة الذي يُمكنها من «التأثير» على صناعة الثقافة الجداوية والتحكم في مخرجاتها، ولم يكن الأمر قاصراً على هذا الجانب بل هناك مثقفات «اتحدن مع الرجل» لإسقاط «بعض المثقفات الفاعلات» من باب «عدو عدوي صديقي».
لقد «استغلت» المثقفة الجداوية الدور الريادي التاريخي للمرأة الجداوية و»لم تؤمن» به، لأن استثمار القيمة التاريخية يعني الاستفادة من تلك القيمة في التغير والإضافة، لا استغلالها في «ترويج الفرديّة».
ولذلك اعتبرت أن المثقفة الجداوية خانت «القيمة التاريخية للمرأة الجداوية» عندما استغلتها في «الترويج لذاتها» لا للتبشير بالمشروع النسوي في صناعة القرار الثقافي الجداوي.
ولم تراهن المثقفة الجداوية على استغلال الدور الريادي التاريخي للمرأة الجداوية بل أيضاً «تقولبت به» وهو تقولب أخرجها من «الواقع الفعلي» الذي خضع عبر السنوات لمعادلات مختلفة ومراهنات متنوعة ساهما فيما بعد ذلك في إعادة صياغة الوعي الحجازي، ولا أبالغ إن قلت بل «وقبلنة الوعي الحجازي»، السبب الرئيس لسقوط المثقفة الجداوية.
وبذلك كانت المثقفة الجداوية التي تراهن على الكسب وفق مراهنة القيمة التاريخية تعتمد على وعي ماضوي قرين بالقيمة التاريخية ومنتج لها وهو «الوعي الحجازي»، وهو رهان كان خارج فعلية زمن الواقع للوعي الحاضر «قبلنة الوعي» الذي تنضبط به الممارسة الفعلية المنتِجة للحاصل الموافق للوعي الفعلي لا الوعي التاريخي.
وبالتالي لم يعد ما هو المعروف بالضبط، من الذي خان الآخر؛ هل هي التي خانت الوعي الزمني من خلال استبدال الوعي الكائني بالوعي التاريخي، أم أن الوعي الزمني خانها عندما ساوى لها بين قيمة مشتركة لمصدرين مختلفين؟.
وفي كلتا الحالتين ستظل خيانة «الوعي الزمني» قائمة، فالناتج في كلتا الحالتين واحد وإن تبادل أحدهما ما بين وظيفة المصدر وغاية المقصد.
فالأصل فيهما معاً محتوى البنية العلاقية، ويكون حصولهما منها بتخصيصين مختلفين فما هو دليل إثبات يؤدي إلى ناتج ما هو دليل نفي.
فكلاهما يدخل على أصل المسلّمة ليساوي بين فرعي الحاصل، وهو أن «سقوط المثقفة الجداوية في الانتخاب « يدل على «الموت التاريخي للمرأة الجداوية» وهو ما يساوي «الموت التاريخي للمثقفة الجداوية» لأنها فوتت الاستفادة من هذه التجربة لإضافة قيمة تاريخية ثانية بجوار القيمة التاريخية الأولى.، وتفويت الاستفادة من التجربة لإضافة قيمة تاريخية أخرى ومتنوعة وخسارتها يعني «إلغاء» القيمة التاريخية السابقة.
ومع ذلك الإلغاء تسقط «ريادة المثقفة الجداوية» وتفوز»قبلنة الوعي الحجازي» ويبدأ عهد جديد للثقافة الجداوية في ظل سيطرة وولاية «قبلنة الوعي الحجازي» على صناعة القرار الثقافي.
ولا عزاء للمثقفة الجداوية في عهد «قبلنة الثقافة الجداوية»، و عهد وزارة سيتذكرها التاريخ باغتيال الدور التاريخي للمثقفة السعودية.
جدة
* sehama71@gmail.com