بعد إعلان نتيجة انتخابات مجلس إدارة نادي جدة الأدبي عبر عدد من أعضاء الجمعية العمومية للنادي عن اعتراضاتهم على تلك النتيجة التي اعتبروها صادمة، فتقدم مراسل عكاظ على أثرها إلى سعادة الوكيل د. الحجيلان من أجل توضيح ما يفسر غياب أسماء فاعلة في الوسط الثقافي الجداوي من مجلس الإدارة المنتخب، فقال لهم: « اسألوا من وضع اللائحة»!! (عكاظ: الثلاثاء 19 ذو الحجة، 1432، ص 34).
من هذا الرد نستطيع أن نستشف نبرة عدم الرضا عما جاء في اللائحة، ليس فقط فيما يخص الثغرات الهائلة التي أدت إلى مشاكل عديدة واجهتها انتخابات الأندية الأدبية، ولكن أيضاً فيما يخص تقييد يد الوزارة ومنعها من التدخل في شئون الأندية الإدارية. التأكيد الوارد في مقدمة اللائحة بأن «النادي الأدبي هو مؤسسة ذات شخصية اعتبارية مستقلة مالياً وإدارياً» تضع الوزارة في إطار المشرف الحيادي الذي يتردد آلاف المرات قبل أن يقدم النصح ويقترح التوجه أو حتى قبل أن يعبر عن استيائه أو استحسانه. ما يقوله الوكيل هو بصراحة أن الأمر ليس بيديه ليقدم تفسيراً لسقوط أسماء وبروز غيرها، الأمر، فمهمتهم هو ولجنة الانتخابات التي يرأسها هي الإشراف فقط : « تتولى وزارة الثقافة والإعلام ممثلة في وكالة الوزارة للشؤون الثقافية الإشراف على انتخابات مجلس إدارة النادي»، أي حفظ النظام وإعلان النتائج: « يعلن رئيس لجنة الانتخابات أسماء الفائزين بعد انتهاء الاقتراع وفرز الأصوات مباشرة ويصادق على نتائج الانتخابات وزير الثقافة والإعلام» (مادة 18).
« اسألوا من وضع اللائحة» تعني أن الوزارة تخلص نفسها من أي ملامة أو عتاب وتلقي بالمسئولية كاملة على اللجان التي تشكلت على مدى ست سنوات لتفكر وتصيغ وتخطط وتفسر وتنظم، تلك اللجان التي ارتأت أن تقيد يد الوزارة وتمنعها من التدخل في كل الأحوال.
« اسألوا من وضع اللائحة» هي شعار الوزارة للخروج من كل المآزق الحالية والقادمة، فكلما تعالت الأصوات متذمرة من أي مخالفة أو تجاوز أو انحراف، رفعت يديها وقالت: « إنها اللائحة ومن صاغ بنودها»!!
والحقيقة أن اللائحة فعلاً قد أخرجت الوزارة من إطار التدخل في جميع شؤون الأندية المالية والإدارية، وهي لم تأت على ذكر الوزارة إلا في خمسة مواقع: في تنظيم الانتخابات والإشراف عليها، وفي موافقتها على الانتداب والمشاركات الخارجية، وموافقتها على قبول التبرعات الخارجية وعلى استقالة نصف أعضاء المجلس، وكذلك تشترط تزويدها بصورة من الحسابات الدورية والحساب الختامي. هذا هو ملخص العلاقة التي تربط الوزارة باللائحة التي وضعتها اللجان المكلفة، لكنها هي أيضاً اللائحة التي وافقت هي عليها واعتمدتها.
والحقيقة أيضاً أن المثقفين يريدون ألا تتدخل الوزارة حين يخالف تدخلها ما يرتأون، ومن ذلك الموقف الشهير لرئيس نادي الرياض الذي أعلن انسحابه من الترشيحات بسبب اعتراضه على مطالبة الوزارة بتمديد فترة التقدم للترشيح، وتسريب بعض الأسماء، إضافة إلى تعالي نبرة التشكيك في الوزارة والإدعاء المنتشر بين المثقفين بعد كل عملية انتخاب في الأندية بأن الوزارة تفرض أسماء بعينها أو تحضر قائمة جاهزة قبل البدء في التصويت، الأمر الذي دعا معالي الوزير إلى حث الذين لا يفوزون في الانتخابات «بالابتعاد عن فكرة المؤامرة» ( عكاظ 22 ذو الحجة 1432، ص 38).
لكن حين يواجه المثقفون أي مشكلة نجدهم يستنجدون بالوزارة ويطالبون بتدخلها، وأشهر تلك الوقائع الشكوى التي رفعها الشاعر علي الدميني لمعالي الوزير ضد إجراءات حصوله على بطاقة العضوية من نادي الشرقية. وتتوالى الشكاوى والاعتراضات بعد كل انتخاب تحض الوزارة على التدخل لفض النزاعات وفك الاشتباكات، من نفس المثقفين الذي يشددون على استقلالية الأندية وينددون بتدخل الوزارة في مواضع أخرى.
والوزارة أيضاً تنتقل بين دور إيجابي تقتحم به جدار التحييد وآخر سلبي ترفع فيه يديها مسلمة إلى نصوص اللائحة: فهي تنصر الدميني في الشرقية، وتمدد فترة الترشح في الرياض، لكنها تقف موقف المتفرج من مطالب المثقفين المتكررة بالاقتراع الورقي بدلاً من استخدام الأجهزة الإلكترونية في عملية التصويت حتى وإن ثبتت أخطاؤها، كما أنها تصر على إعلان نتائج انتخاب أعضاء الهيئة الإدارية للمجلس فور انتهاء انتخابات الجمعية رغم مخالفة ذلك لنص المادة 19 من اللائحة: « يجتمع مجلس الإدارة خلال أسبوعين من تاريخ عقد اجتماع الجمعية العمومية بحضور ممثل الوزارة (مدير الإدارة العامة للأندية الأدبية أو من يكلف بعمله) لانتخاب أعضاء الهيئة الإدارية للنادي: (الرئيس, نائب الرئيس, المسئول الإداري, المسئول المالي) بالاقتراع السري».
وتتوعد الوزارة في أكثر من موقف من يخالف أنظمة ولوائح الانتخابات، لكنها تتغافل عن مخالفات من نوع آخر دون أدنى التفات، فهاهي مثلاً تتوعد من قام بمخالفة شطب اسم عضو جمعية نادي الشرقية من قائمة تم اعتمادها من الوزارة ( عكاظ الجمعة 22ذو الحجة 1432، ص 38)، لكنها لا تلتفت بأي اهتمام لمخالفة الاستثناءات التي استشرت وشاعت بين مجالس الأندية وسمحت بترشح، بل وبفوز، أفراد لم يتوفر لديهم أي شرط من شروط الحصول على العضوية. وكم من مرة حذرت الوزارة من التكتلات واعتبرتها غير قانونية، لكنها في انتخابات نادي جدة وقفت موقف المتفرج على فصول المسرحية وصمتت وهي تستمع للتعاتب والتلاوم والاتهامات بالخيانة والخديعة بين أعضاء المجلس. هل أرادت الوزارة دليلاً أقوى من تلك المصارحات على أن التكتلات كانت هي المحرك الأساسي للانتخابات؟ لماذا لم تعلن بطلان النتائج وقد حصلت على الدليل القاطع، ليس فقط أمامها، بل أمام كل المثقفين وعلى صفحات الجرائد؟
ليس بإمكاننا إلا أن نستنتج وبكل ثقة أن الوزارة نفسها لا تعرف بالتحديد طبيعة الدور الذي من المفترض أن تمارسه مع الأندية الأدبية. يشعر المرء بالحيرة إزاء نصوص مقيدة لسلطة الوزارة وبين حالات تستلزم تدخلها، بين الاعتراف باستقلالية الأندية وبين ضرورة الحسم في قضايا عديدة واجهتها وستواجهها في المستقبل. ما الذي ستفعله الوزارة أمام ركام الطعون والشكاوي والاعتراضات الحالية والقادمة مع غياب نص واضح يعطيها أي نوع من الصلاحية؟
«اسألوا من وضع اللائحة» مخرج سهل، لكنه يزيد الأمور تعقيداً وصعوبة. ونحن بدورنا نسأل الوزارة من اعتمد اللائحة؟ كيف فات على معتمدها مراجعة الدور المتقلص حتى لإشراف الوزارة على الأندية بالشكل المطلوب؟ اللائحة التي سنسألها عند كل منعطف ليس لديها تفسير شافٍ لا للوزارة ولا للمثقفين عن المرجعية الرسمية التي ستفض النزاعات وتنظر في الشكاوي وتحمي اللائحة وتتأكد من الالتزام ببنودها. ما بين الوزارة واللائحة هنالك لبس كبير.
lamiabaeshen@gmail.com
جدة