من فوق الطعوس أكرمني الأخ الأستاذ الشاعر عبدالله العويد بتهنئة العيد، وأما (طعوس) فجمع طعس، وهو لفظ عربي ناله شيء من التغيير الصوتي اليسير؛ إذ أصله الفصيح (دِعْص)، جاء في (تهذيب اللغة): «الدِعْص: الكَثِيب من الرمل المجتمِع. وجمعه دِعَصَة وأدعاص». وكان من أثر العين الحلقية والصاد المطبقة أن وهبتا الدال تفخيمًا فصارت إلى نظيرها المطبق أي الطاء، والطاء في وصف سيبويه لا تختلف عن الدال إلا في الإطباق، أي إن مؤخرة اللسان ترتفع عند نطق الدال فتتغير بهذا غرفة الرنين في الفم، والحقّ أن هذه الطاء التي وصفها سيبويه لم تعد مستعملة في لهجات نجد ولا تسمعها في قراءة القرآن ولا الفصيحة المتداولة، وما تسمعه هو التاء المطبقة أي النظير المهموس للدال. وأما الطاء القديمة فلا تسمعها إلا في بعض لهجات اليمن كما في قولهم (طريق، مطبخ) فتسمع الطاء سماعك للضاد المصرية أي الدال المطبقة (ضدري ق). ونجد الاستعمال اللهجي بعد أن أطبق الدال ألغى الإطباق في الصاد فصارت إلى نظيرها غير المطبق وهو السين وهذا تلبية لداعي الخفة وتجنب الحروف تكاثر الحروف المفخمة. وللفظ شكل آخر بإقحام الميم والواو فيه فيقال (طُعموس) والجمع طعاميس، ونجد في التراث (دعموص) ولكنه بمعنى مختلف فهو يطلق على دويبة مائية ذات رأسين تظهر في الغدران.
والطعس أو الدعص تكوين طبيعي أثار خيال الشاعر العربي فشبه به كفل المرأة وشبهه به أيضًا، قال الأعشى(ديوانه 79):
هركولة ٌ مثلُ دعصِ الرّملِ أسفلُها
مكسوّةٌ من جمالِ الحسنِ جلبابا
وقال عمر بن أبي ربيعة:
تعقدُ المرطَ فوقَ دعصٍ من
الرّمْلِ عَرِيضٍ قَدْ حُفَّ بالأَنْقَاءِ
فالشاعران شبّها كفل المرأة بالدعص، وأما ذو الرمة فعكس التشبيه فشبه الرمل بأوراك العذارى:
وَرَمْلٍ كَأَوْرَاكِ الْعَذَارَى قَطَعْتُهُ
إِذَا جَلَّلَتْهُ الْمُظْلِمَاتُ الْحَنَادِس
أما شبابنا اليوم فلم يثر خيالهم الطعس، فمنهم عابث اخذه وسيلة لعبث مركبته برعونة وصلف ربما أودى بحياته، أو أقعده فأجاءه إلى حياة مرة يرى الموت أهون منها، ومنهم من رأوا في الطعس جمودًا فشبهوا به من لا يرضون عنه؛ إذ لا يجاري ما هم عليه من نشاط وتطلع إلى الجديد، فالشاب التقليدي المتمسك بجملة من العادات القديمة المهمل لزيه المتصف بشيء من البلادة يسمى عندهم طعسًا، ولعل التسمية في أول أمرها أطلقت على شخص بدين يحاكي هيأة الطعس من الرمل ثم عممت على كل من اتصف بالتقليدية والبلادة وقلة الحيلة. والشباب مع استعمالهم اللفظ ربما لا يحسنون شرح معناه لشدة عموم دلالته، فهو أقرب إلى مطلق الوصف المراد به الشتم.
الرياض