قبل نحو خمسين سنة كتب لويس عوض في الأهرام بوصفه مستشاراً ثقافياً لها: أن العرب لم يعرفوا الحرية بالمفهوم المعاصر، وأن هذه الكلمة لا تدل في اللغة العربية على ما تدل عليه اليوم، وكل ما تشير إليه في التراث العربي أنها ضد الرق، وقد أجاب الشيخ محمود شاكر - رحمه الله - في حينها على هذا الادعاء في مجلة الرسالة. والحق أن العرب كانت حياتهم تجسيداً لهذا المفهوم، فهم يجوبون صحراءهم، ويعبرون عن آرائهم، لا يحول دون ذلك حائل، وإنما تنشأ الحاجة إلى المفهوم المعاصر نتيجة سلطة محلية مستبدة، أو قوة أجنبية غازية، وهو ما لم يتعرض له العرب في العصور القديمة.
إن فقدان الحرية هو الذي يدعو إلى البحث عنها، والتضحية في سبيلها، وعندئذ تتحرك اليد المضرجة بالدماء التي أشار إليها شوقي لتدق باب الحرية، وتهزم ظلام القهر.
ولقد ورث العرب في دمائهم الإحساس بأن الحرية ترادف الحياة، فحين مست كرامتهم في العصر الحديث طرقوا الأبواب في البحث عنها، وتعطشت نفوسهم إليها، فكان تاريخهم المعاصر حركة دائبة في البحث عن الجوهرة الضائعة, واللغز المكتوم.
عاصر شوقي حقبة من الزمن أشبه ما تكون بموسم الربيع العربي حين تجاوبت الصيحات بين تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، فشهد الثورة العربية 1916, والثورة المصرية 1919, وثورة العراق 1920, وثورات فلسطين التي بدأت 1921, وثورة سوريا 1925, وكان الملك عبد العزيز - يرحمه الله - يواصل جهاده في بناء دولته الفتية.
ما أشبه الليلة بالبارحة.. هذا شوقي يستقبل الوفود العربية التي قدمت لتتويجه بإمارة الشعر في إبريل 1926 مشيراً إلى الأحداث التي وحدت الأمة، ومشيداً بدور مصر، فيقول:
ربَّ جارٍ تلفَّتَتْ مصرُ تُولي
هِ سؤالَ الكريمِ عنْ جِيرانِه
بَعَثَتنِي مَعَزِّياً بِمَآقي
وَطني، أو مُهَنِّئاً بِلِسَانِه
كانَ شعرِي الغناءَ فِي فَرَحِ الشَّرْ
قِ، وَكانَ العَزاءَ فِي أحزانِه
قد قضَى اللهُ أنْ يُؤلِّفَنا الجُرْ
حُ، وأنْ نَلتَقِي علَى أشجانِه
كلَّمَا أنَّ بِالعِراقِ جَريحٌ
لَمَسَ الشَّرْقُ جَنبَهُ فِي عُمانِه
نحنُ فِي الفِكرِ بالدِّيارِ سواءٌ
كلُّنا مُشْفِقٌ علَى أوطانِه
وحالة الأمة من الانتصارات والانتكاسات ظاهرة في حديث شوقي بين الأمل والرجاء حيث يجمع بين التهنئة والتعزية، وبين الفرح والحزن، وبين الغناء والأشجان، وهو صوت يمتد في أعماق الأمة قبل أن يمتد عبر حدودها ويطوف بين أرجائها، ويوحد أهدافها، يقول مخاطباً الريحاني:
سلفَ الزمانُ علَى المودَّةِ بينَنَا
سنواتِ صحوٍ بل سناتِ رقادِ
يا نجمَ سوريَّا، ولستَ بأوَّلٍ
ماذا نَمَتْ منْ نيِّرٍ وَقَّادِ ؟
اطلعْ علَى يَمَنٍ بِيُمْنِكَ في غدٍ
وَتَجَلَّ بعد غدٍ علَى بَغدادِ
سترى الديارَ علَى اختلافِ ربوعِها
نَطَقَ البَعِيرُ بِها وعيَّ الحادِي
ويقول د. شوقي ضيف: «لا نبالغ إذا قلنا: كان أحمد شوقي بشيراً بفكرة الجامعة العربية التي تأسست من بعده، فشعره في هذه الدورة من حياته يفيض بالوحدة العربية، وأن العرب جسم واحد إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمي « وهو الذي يقول:
ونحنُ في الشِّرقِ والفُصحَى بنو رَحَمٍ
ونحنُ في الجُرْحِ والآلامِ إخوانُ
فيشير إلى ما يجمع الأمة من عناصر تراثية وعناصر حديثة، تتمثل في الموقع الجغرافي، بما فيه من تاريخ موحد، وعقيدة دينية، وفي اللغة المشتركة، وفي الجروح النادبة، والطموح إلى الحرية والاستقلال، حتى كأن الأمة عائلة ولدت من رحم واحدة، ولأب واحد كما قال:
وما الشَّرْقُ إلا أسرةٌ وَعَشيرةٌ
تَلُمُّ بَنيها عندَ كلِّ مُصابِ
شعوبنا أسرة واحدة، وقبيلة واحدة، يلفهم الشرق بتقاليده وأخلاقه وطموحه ونلحظ أن التعبير الأثير لديه هو كلمة «الشرق»، وكأنه يريد أن يكون الوجه العربي هو السائد المالك لهذه المنطقة، لا تشوبه شوائب غريبة، أو عناصر دخيلة، ولم تكن الفكرة العربية، قد تطورت إلى الحد الذي نشعر به نحن الآن.
وكم بذلت القوى المضادة في سبيل تفتيت الأمة، وتشتيت كلمتها، وتباعد أقطارها، على قاعدة الاستعمار فرِّق تسد، إلا أن الهمّ يبقى قلقاً، والحنين والشوق إلى المجد يوجه طاقاتها، ويسير أمورها، وتتجاوب فيها عناصر البناء، وتهب رياح الحرية، وتوجهها روح العصر, فتتململ تحت نير القهر والظلم، وتطمح إلى خلع ربقة الذل والتخلف, وتضيق بالاستبداد كما قال شوقي مخاطباً فرعون:
زمانُ الفَرْدِ يا فرعونُ ولَّى
وَدَالَتْ دولةُ المُتَجَبِّرِينا
وأضحَ ى الرُّعاةُ بكلِّ أرضٍ
علَى حُكْمِ الرَّعِيَّةِ نازلِينا
والشاعر يضعنا أمام صورتين صورة يستمدها من القديم حين كان فرعون الآمر الناهي، والسيد المطاع، وليس للناس من أمرهم إلا الانصياع والخضوع.. وصورة معاصرة ترد حكم الفرد، وتشرك المجتمع في شؤون حياته، وينقاد فرعون لحكم الجماعة بعد أن كانت تنقاد لحكمه، في ظل العدل والشورى والديمقراطية، معتمدة على نهضة علمية وفنية لتحقيق التقدم والرقي والازدهار يقول:
إن سرَّكَ الملكَ تبنيهِ علَى أسسٍ
فاستنهضِ البانِيَينِ: العلمَ والأدَبا
وارفعْ لهُ مِنْ جبالِ الحقِّ قاعدةً
وَمُدَّ مِنْ سببِ الشُّورَى لهُ سبَبَا
ومن أجل ذلك ينبغي أن تستثمر طاقات البناء لتعويض ما فات من زمن التخلف والركود، من أجل بناء المجتمع على القيم الفاضلة، واللحاق بعصر الاقتصاد القوي، والازدهار الحضاري:
العصرُ حرٌّ، والشعوبُ طليقةٌ
ما لم يحزها الجهلُ في أرسانِه
أين التجارةُ وهيَ مضمارُ الغِنَى
أينَ الصناعةُ وهيَ وجهُ عَنانِه
أينَ الزِّراعةِ في جِنانٍ تَحْتَكِم
كخمائلِ الفردوسِ، أو كَجِنانِه
مُلْكٌ منَ الأخلاقِ كانَ بناؤهُ
مِنْ نَحْتِ أوَّلِكُمْ وَمِنْ صُوَّانِه
وكما صنع الشباب حدائق الربيع العربي في شارع بورقيبة في تونس، وميدان التحرير في مصر، وباب العزيزية في ليبيا، وساحة التغيير في اليمن، وبابا عمرو في سوريا.. يعترف شوقي بقدرة الشباب على البذل والعطاء، وريادتهم في الفكر والإبداع، وإصرارهم على التغيير وكسر الحواجز, وتطلعهم إلى حياة أفضل ومستقبل أكثر إيجابية، فنجد هذه الصور على مرآته الفنية زاهية براقة، ترصد الواقع، وتومض بالمستقبل، وتبشر بالإصلاح، وما أكثر ما تحدث شوقي إلى الشباب أو تحدث عنهم، في معرض البناء والريادة العلمية والفنية، وأعطي الشباب وزنهم الحقيقي، فقال:
لا يُقِيمَنَّ علَى الضَّيْمِ الأسَد
نزعَ الشِّبلُ منَ الغابِ الوَتَد
اتركُوهُ يَمْشِ في آجامِهِ
وَدَعُوهُ فِي حمَى الغابِ يَذُد
واعرِضُوا الدُّنيا علَى أظفارِهِ
وابعثُوهُ فِي صَحاراها يَصِد
ثم يكشف قدرة الشباب على التحول، وإلقاء القديم وراء الجدران.. يتصدى لمسؤوليات البناء كالنحل الدءوب يعمل بروح الشباب في كل اتجاه ويحشد طاقات المجتمع ويغني للوطن من أجل تحقيق الآمال المنشودة:
حرَّكَ البلبلُ عِطفَيْ رَبوةٍ
كانَ فِيها البُومُ بالأيكِ انفَرَد
زَنْبَقُ المُدْنِ وَرَيحانُ القُرَى
قامَ في كلِّ طريقٍ وَقَعَد
باكراً كالنَّحْلِ في أسرابِها
كلُّ سربٍ قد تَلاقَى واحتَشد
بسطَ الكفَّ لِمِن صادقَهُ
ومضَى يَقْصُرُ خَطواً وَيَمُد
يجعلُ الأوطانَ أغنيَّتَهُ
وينادِي الناسّ مّنْ جَدَّ وَجَد
يوازن بين عهد الشباب المتقدم المتفائل العذب الذي تستجيب له طبيعة الحياة ويتصالح مع متطلبات الكون، ويشبهه بالبلبل الصداح.. وبين عهد بائد مظلم كئيب, يشبه البوم، وقد خيم على الشجر, وسد نوافذ الهواء، وحجز منابع الضوء.
ومما يهدد الربيع العربي أمران، الأمر الأول: تصارع الأحزاب في الوصول إلى السلطة، وطعن بعضها في بعض، والتشكيك في النوايا والاتجاهات، وإتباع سياسة الإقصاء، وإيثار المصلحة الحزبية على الوطنية، وهذا ما حذر منه شوقي فيقول في قصيدته المشهورة:
إلامَ الخُلْفُ بَينَكَمُ إلامَا
وَهَذي الضَّجَّةُ الكُبرَى عَلاما
وفِيمَ يَكيدُ بَعضُكُمُ لبَعْضٍ
وتُبْدونَ العَداوةَ والخِصاما
تراميتُمْ فقالَ الناسُ قومٌ
علَى الخذلانِ أمرهُمُ ترامَى
وَلِينا الأمرَ حِزباً بعدَ حزبٍ
فلم نكُ مصلحينَ، ولا كِراما
وَسَسْنا الأمرَ حينَ خلا إلينا
بأهواءِ النفوسِ فما استقامَا
والأمر الثاني الذي يحذر منه شوقي، ويهدد الحياة في البلاد التي اغتسلت بالربيع العربي، وشربت من ينبوعه.. الطائفية: التي تطل برأسها البشع بين الصفوف، فتفرقها، وتنذر بالحريق الذي يلتهم ما أنتجه الشباب المجدد، وسمعنا في الأخبار أن بعض أقاليم ليبيا - وهي محدودة الكثافة السكانية - يفكر في الحكم الفيدرالي مما يمهد إلى استقلاله، ونسمع أحداث وتصريحات الطائفية في مصر، مما يصدع بنيان الوحدة الوطنية فنجده يصرخ في وجه الطائفية المقيتة فيقول:
إنَّما نحنُ مسلمينَ وقبطاً
أمَّةٌ وُحِّدَتْ علَى الأجيالِ
سبقَ النيلُ بالأبوَّةِ فِينا
فَهو أصلٌ وآدمُ الجدُّ تالِي
ويقول:
أعَهِدتنا والقِبطَ إلا أمَّةً
للأرض واحدةً تَرومُ مَراما
هذي قبورُكُمُ وَتلك قُبورُنا
متجاورينَ جَماجِماً وَعِظاما
ويدعو في مواجهة هذه التيارات إلى وحدة الصف، فإن ذلك مصدر القوة والثبات في وجه الأعداء والعصي المجتمعة يصعب كسرها والمتفرقة تتكسر الواحدة تلو الأخرى «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم»:
صوتُ الشعوبِ منَ الزئيرِ مُجَمّعاً
فإذا تفرَّقَ كانَ بعضَ نُباحِ
ويذكر الذين يتعجلون حصد النتائج، ويطلبون قطف الثمار العاجلة، ويتوقعون أنها واقفة على الأبواب، ويظنون أن التغيير طوع إرادتهم في كل وقت ومكان.. يذكرهم بأن الإصلاح يحتاج إلى زمن للنضج، حتى يمكن القضاء على المفاسد التي غرست في زمن سابق، وهي خطوة أولي تسبق مرحلة البناء، ولا يتم ذلك إلا إذا تضافرت جهود الجميع، وشارك ممثلو الشعب في التغلب على هذه العقبات حتى يأخذ الإصلاح مجراه:
وأقبلَتْ عَقَباتٌ لا يذلِّلُها
في موقفِ الفصلِ إلا الشعبُ منتخَبا
له غداً رأيُهُ فيها وحكمتُهُ
إذا تمهَّلَ فوقَ الشَّوكِ أو وَثَبا
وما أجمل قوله حين يغوص في أعماق الناس، ويضع أصبعه على التكوين النفسي للذين طال خضوعهم للقهر، ومن عاش في الظلام أزماناً يصعب عليه مواجهة الضياء فجأة:
مَنْ يخلعِ النِّيرَ يَعِشْ بُرهَةً
في أثَرِ النِّيرِ، وفي نَدْبِهِ
وقد حظيت سوريا عنده بقصائد غراء تكاسر الدهر, وتغلب الزمن ينشدها المتأدبون في كل الأقطار العربية إعجابا بألفاظها وموسيقاها ومعانيها.. صوَّرَ فيها طموح السوريين إلى الحرية والاستقلال، والبحث عن العزة والكرامة، حين وقفوا في وجه قوات الاحتلال سنة 1925م فأصلاهم الأسطول الفرنسي من البحر المتوسط شواظ لهيبه، ودك دمشق دكاً روّع الآمنين، وزلزل قصورها وحدائقها وآثارها، وطمس معالم التاريخ فيها، كأنما يسرد شوقي أحداثها المعاصرة، أو ينقل ما نسمعه أو نشاهده على الشاشات من جرائم وقتل على يد السلطة القائمة التي تفتك بحمص وحماة وإدلب ودرعا وغيرها:
رباعَ الخُلدِ ويحَكَ ما دَهاها
أحقٌّ أنَّها دَرَسَت أحقُّ ؟
وأينَ دُمَى المقاصرِ مِنْ حِجالٍ
مُهتَّكَةٍ، وأستارٍ تُشَقُّ
بليلٍ للقذائفِ والمنايا
وراءَ سمائِِهِ خطفٌ وصَعقُ
إذا عصفَ الحديدُ احمرَّ أفقٌ
علَى جَنَباتِهِ، واسودَّ أفقُ
تكادُ لِرَوْعةِ الأحداثِ فيها
تُخالُ منَ الخُرافةِ وهيَ صِدقُ
ويشهد لفتية سوريا بالأنفة والعزة والإباء وصلابة القناة، ورثوا ذلك من عهد بني أمية حين احتضنوا المجد العربي في أول خلافة إسلامية:
غمزتُ إباءَهُم حتَّى تلظَّتْ
أنوفُ الأسدِ واضطرمَ المِدَقُّ
وضجَّ منَ الشكيمةِ كلُّ حرٍّ
أبِيٍّ مِنْ أميَّةَ فيه عِتْقُ
ويشد من أزر المناضلين الصامدين في وجه العدوان، كما صمد المقاتلون البواسل في وجه النظام اليوم بوسائلهم المحدودة، يتحدون ترسانة أسلحة الجيش، المعبأ بالحقد على المعابد والمساجد، فتلك ضريبة الحرية وحق الوطن، يؤديه المخلصون من أبنائه:
بَنِي سوريَّةَ اطَّرِحوا الأماني
وألقوا عنكُمُ الأحلامَ ألقوا
وَقَفْتُمْ بينَ موتٍ أو حياةٍ
فإنْ شِئْتُمْ نعيمَ الدَّهرِ فاشقُوا
وللأوطانِ في دمِ كلِّ حُرٍّ
يدٌ سَلَفَتْ، وَدَيْنٌ مُستحقُّ
ولا يَبْنِي المَمالكَ كالضَّحايا
وَلا يُدنِي الحُقوقَ، ولا يَحِقُّ
وللحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ
بكلِّ يدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
ويستحضر الروابط التي تشد أواصر الشعوب في هذه المنطقة العربية الإسلامية ويكشف دوافعه في الغيرة على هذا البلد الشقيق:
نَصَحْتُ ونحنُ مختلفونَ داراً
ولكنْ كلُّنا في الهّمِّ شرقُ
ويجمعُنا إذا اختلفَتْ بلادٌ
بَيانٌ غيرُ مُختلِفٍ وَنُطقُ
وينصح رواد الحركة الوطنية وقادة التغيير من الشباب وساسة الرأي أن يحافظوا على هوية الأمة وشخصيتها وعقيدتها، وأن يسيروا على درب الأوائل، وأن يكون التغيير بما يعود بالخير والتقدم والعدل والمساواة:
أمُمَ الهلالِ مقالةً من صادقٍ
والصِّدقُ أليقُ بالرِّجالِ مَقالا
هذا هلالِكُمُ تكفَّلَ بالهُدَى
هل تعلمونَ معَ الهلالِ ضَلالا
سَرَتِ الحَضارةُ حقبةً فِي ضَوْئِهِ
ومَشَى الزَّمانُ بِنُوره مُختالا
وينبه إلى أن صلاح الأمة بالعودة إلى مواردها الأصيلة، ولا صلاح دون أن تخرج من ظلمة الكهف الذي تعيش فيه من أزمان، مع أنها تملك أقوى مصابيح الحضارة، ومشاعل الهداية: الكتاب والسنة:
فَقُلْ لرسولِ اللهِ، يا خَيرَ مُرسَلٍ
أبثُّكَ ما تَدرِي منَ الحَسَراتِ
شعوبُكَ في شَرقِ البلادِ وغربِها
كأصحابِ كهفٍ في عَميقِ سُباتِ
بأيمانِهِمْ نُورانِ: ذِكرٌ وَسُنَّةٌ
فَما بالُهم في حالِكِ الظُّلُماتِ؟
وذلكَ ماضِي مَجْدِهِمْ وَفَخارِهِمْ
فَما ضَرَّهُمْ لَْو يَعمَلونَ لآتِي ؟
وهذا زمانٌ، أرضُهُ وسماؤُهُ
مجالٌ لِمِقدامٍ، كبيرِ حياةِ
فَقُلْ: رَبِّ وَفِّقْ لِلعَظائِمِ أمَّتِي
وَزَيِّنْ لَها الأفعالَ وَالعَزَمَاتِ
اللهم آمين.. آمين يا رب العالمين، وحقق لها ما تصبو إليه من السؤدد والمجد والفخار، ورحم الله شوقياً الذي وصف عصره، واستطلع آمال الأمة وطموحاتها، فكان معها - أيضاً - في ربيعها الجديد، وحق لشعره أن يملأ القلوب والساحات، وأن يعكف عليه الباحثون والدارسون مشيدين بشاعريته الفذة:
رُواةُ قَصائِدِي، فاعْجَبْ لِشِعْرٍ
بكلِّ مَحَلَّةٍ يَروِيهِ خَلْقُ
*أستاذ الدراسات العليا بكلية اللغة العربية