من أبرز التهم التي وجهت للمثقفين انعزالهم في أبراج عاجية مع (الشلل) الثقافية، وتقوقعهم داخل هذه الأبراج، بعيدا عن هموم الناس، بل حتى عن أفهامهم، فالانعزال والانغلاق ولّد لغة أدبية خاصة بين المجموعة المنغلقة تمتاز بالإغراق في الرمزية والغموض والتهويم في عالم البوهيمية الأدبية والفكرية، وأصبح الناص متلقيا لزميله الناص الآخر، بعيدا عن طوائف المجتمع الأخرى إلا فيما ندر.
ما يحسب للإعلام الجيد بوسائله التواصلية الاجتماعية الحديثة، كسره لهذه العزلة، وإنزال مثقفيها من أبراجهم وبيئتهم المقتصرة على أمسياتهم وملتقياتهم الداخلية والخارجية، إلى عالم يعتمد على التفاعل مع الناس، والتواصل السريع مع المتلقي، والتأثر المباشر سلبا أو إيجابا بالنص المطروح في هذه الوسائل.
هذا الإرغام على التواصل الاجتماعي ساهم في تهذيب النصوص وتخليصها من التقعر والغموض حتى أصبحت قريبة من الناس، والتقارب النصي لم يهبط بالنص إلى قعر الذائقة الجمعية، بل استقر في مستوياتها العليا من غير أن يخرج عن هذه الذائقة ليصبح منبوذا غير مقروء.
مبدعو الثمانينات مرشحون للاحتفاظ بوهجهم في هذه البيئة التقنية وبشعبيتهم بين أوساط المتلقين الافتراضيين، فخبرتهم الأدبية ونضوجهم الشعري وشهرتهم الإعلامية السابقة كفيلة بدعمهم في هذا العالم الجديد، ولكن المستفيد الأكبر منهم هو من يضيف لقدرته الشعرية الموهبة الاجتماعية في التواصل مع الناس والتفاعل السريع معهم، والبعد عن الاستعلاء والانطواء، فالعصر الآن عصر المثقف الشامل لا الأديب الخامل.
fmuneef@gmail.com