مخرج تلفزيوني سوري ظهر على شاشة تلفزيونية يتحدث عن فلمه الجديد الذي يحمل عنوان «ملك الرمل» ويتعرض لشخص الملك الراحل مؤسسة المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-. مخرج الفلم السينمائي هو التلفزيوني «نجدت أنزور».
من حق أي مخرج سينمائي أو تلفزيوني أن يتناول أية شخصية تاريخية أو معاصرة على أن تكون القراءة موضوعية. أنا لم أشاهد الفلم وهو لم يعرض بعد ولذلك من الصعب أن أحكم له أو عليه. لكن المخرج أوضح فكرة الفلم بشكل لا يقبل اللبس حيث يقول «أقوم بهذه التجربة الفنية التي تنفرد حتماً كأول فلم سينمائي يتحدث بصراحة متناهية عن تاريخ قيام المملكة العربية السعودية، وشخصية الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود».
وتقول وكالة أنباء موسكو «أحيطت مراحل إنتاج الفلم بسرية تامة حرصاً على استكمال العمل وعدم تعريضه لمحاولات المنع أو إيقاف التصوير حتى أصبح الفلم واقعاً ومكتملاً إذ يرى أنزور الموضوع المطروح في فلمه حساساً للغاية وتمت معالجته بطريقة لم يعتدها المشاهد العربي.. ويعلق أنزور عليه بأنه وجد في سيرة الملك المؤسس كل عناصر الدراما المشوقة التي يمكن البناء عليها وإظهارها بشكل فني على أن تلاقي صدى كبيراً لدى عرضها على الشاشة في كل أنحاء العالم خاصة وأن الغموض اكتنف هذه الشخصية ولم يظهر منها سوى الجوانب الإيجابية مع إخفاء بعض الحقائق أو تجميلها»!.
تذكرت وأنا أقرأ هذه التصريحات تجربة فلم «الذهب الأسود» المأخوذ عن رواية الكاتب السويسري «هانز روش» بعنوان «العطش الأسود» وتدور أحداث الرواية في حقبة بدايات القرن الماضي في الجزيرة العربية عبر قصة متخيلة وشخوص افتراضيين تعبر عن واقع حرب بين مملكتين في الجزيرة العربية؛ ومن هذه الأحداث ينكشف الواقع الاجتماعي والقبلي لتلك المنطقة وهي ذات الحقبة التي يتحدث عنها فلم «ملك الرمل».
فلم «الذهب الأسود» تم عرضه في تونس وعرض في الخليج وسوف يعرض في ستة آلاف صالة سينما في العالم.. منتج الفلم هو التونسي «طارق بن عمار» ومخرج الفلم هو الفرنسي «جون جاك آنو».. وهو الفلم رقم 13 في تاريخه السينمائي.
وفلم الذهب الأسود يتعرض للواقع القبلي والصحراوي ولكنه لم يخدش شعور المشاهد العربي ولا الصحراوي لأنه لم ينفذ وفق منهج لا موضوعي ولم يصور بدوافع سياسية آنية مسبقة. وهي مهمة لا تندرج في المسار الثقافي والسينمائي.
السؤال، هل يستطيع مخرج أن يغامر بماله الخاص بإنتاج فلم يتعرض لمؤسس المملكة العربية السعودية؟ أعني الجانب الاقتصادي من المشروع.. بل هل يستطيع منتج وليس مخرجاً أن يغامر بإنتاج فلم تبلغ ميزانيته أثني عشر مليون دولاراً لفلم سوف لن يعرض في الخليج لا في سينما ولا في تلفزيون. كما لا أظن أن موزعاً أمريكياً أو أوروبياً يجرؤ على توزيع مثل هذا الفلم لأن ذلك يعرض البلاد إلى أزمة دبلوماسية. ولا أظن أن مهرجاناً سينمائيا سوف يستقبل هذا الفلم.
وكان المخرج السوري «أنزور» قد تولى إخراج فلم يحمل عنوان «سنوات العذاب» عن رواية كتبها معمر القذافي زعيم الجماهيرية الليبية السابقة. وتوقف تصوير الفلم بشكل مفاجئ. المخرج صرح للبي بي سي البريطانية التي تبث بالعربية «إن اتفاق الصلح وطوي صفحة الماضي بين ليبيا وإيطاليا الذي حصل بين القذافي وبريسكوني هو الذي أدى إلى إيقاف تصوير الفلم»!.
حادثة فلم سنوات العذاب التي كتبها معمر القذافي حكايتها الحقيقة تتمثل في أن معمر القذافي بعد النجاح الذي حققه فلم «سنوات الجمر» للمخرج الجزائري «محمد الأخضر حامينا» حفز القذافي على كتابة قصة عنوانها «سنوات العذاب» عن حقبة الاستعمار الإيطالي في ليبيا وطلب من المخرج «حامينا» أن يكتب لها السيناريو ويخرجها لتكون موازية لسنوات الجمر في الجزائر. وقد تفرغ المخرج الجزائري للكتابة في إيطاليا ومكث فيها فترة طويلة ولكنه لم يتمكن من كتابة السيناريو لتلك القصة وأعتذر عن ذلك لأسباب شخصية. وبعد سنوات تقرر أن ينتج الفلم واختير السوري «أنزور» مخرجاً لفلم «سنوات العذاب» وأعلن ذلك في مؤتمر صحفي عقد في طرابلس - الجماهيرية السابقة. ولم يباشر بتصوير الفلم ولم يتم اختيار ممثلين إنما جرت محاولة تجريبية لتصوير بعض المشاهد على سبيل الاختبار مقابل دفعة مالية أولى من العقد تسلمها المخرج. وبدلاً من أن تودع المواد المصورة لتلك المشاهد «الرشز» لدى المنتج حسب العرف السينمائي السائد ولطيبة أهل ليبيا وثقتهم وعدم خبرتهم السينمائية لم يعيروا هذا الموضوع اهتمامهم. فأخذ المخرج المادة المصورة إلى سوريا وهي قليلة جداً وذات هدف اختباري وتجريبي، وأجرى لها عملية مونتاج أولية وعرضها أمام عدد من الصحفيين في دمشق وعندما سمع معمر القذافي بالنبأ غضب غضباً شديداً وطلب من هيئة الإنتاج استدعاء المخرج إلى «الجماهيرية» لكن المخرج لم يأت وعبثاً حاولت وزارة الثقافة الليبية استدعاءه لمحاسبته ولكنه لم يحضر وتوقف إنتاج الفلم وإنعكس غضب القذافي على وزير الثقافة ولجنة إنتاج الفلم! وعندما توقف إنتاج الفلم لم يكن الصلح الإيطالي الليبي قد تحقق بعد.
إذاً وبشكل مؤكد، لم يكن للاتفاق السياسي بين القذافي وبرسكوني أية علاقة بإيقاف تصوير الفلم لأن فلم «عمر المختار» وهو الأكثر وضوحاً ويتعرض بقوة للاستعمار الإيطالي ظل يعرض من التلفزيون الليبي حتى بعد الصلح الليبي الإيطالي! وإن هذا الصلح قد جرى بعد توقف إنتاج فلم سنوات العذاب، ولم يكن الصلح سبباً في توقف الإنتاج! علماً بأن أحد الموزعين الكبار رفض المشاركة في الفلم لهزالة السيناريو!..
فإذا كان المخرج يزوّر الحقيقة وهي ابنة الأمس فقط، فكيف يمكن أن يحقق المصداقية لكشف أحداث هائلة في تاريخ الجزيرة العربية والأحداث الجسام التي مرت بها منذ بداية القرن الماضي حتى تمكن الملك الراحل عبدالعزير بن عبدالرحمن آل سعود من توحيد الجزيرة العربية وتأسيس المملكة العربية السعودية في 21 جمادى الآخرة عام 1351 هجرية الموافق 23 سبتمبر من العام 1932.
حبذا لو تم إنتاج فلم عن تلك الحقبة بصيغة الفلم الروائي ذي الطابع التسجيلي الملحمي وبموضوعية كاملة بعيداً عن الزيف وبعيداً كل البعد عن الهدف السياسي الآني الذي ما كان ولم يكن يوماً هدفاً للثقافة وللسينما على وجه التحديد!.
* سينمائي وكاتب عراقي مقيم في هولندا
k.h.sununu@gmail.com