بعد أن أمضينا جولة سريعة في موضوع حيوي يعيش معنا لحظة بلحظة، ويرافقنا في كل مكان نحل فيه ونرتحل، وقد أصبح الجهاز الناقل للصورة من مكملات المنازل والمكاتب، بل تعدى ذلك إلى الحمل اليدوي مساوياً للحقيبة التي تحفظ لنا الأوراق الضرورية، وتساوى في ذلك الكبار والصغار، وصارت الثقافة الرقمية المصورة كالطعام اليومي في حقيبة كل مسافر وعلى مكتب كل مقيم، وصارت أجسام الآلات المستخدمة في ذلك تتناثر في أرجاء المنازل وتغطي الأثاث، وتسابقت الشركات المنتجة لهذه الآلات على إبداع كل جديد ، بل تسابقت في العروض المغرية بأسعار لم تخطر على بال بشر لتكون في متناول أيدي الطبقات المختلفة، وتعود الإنسان على رؤية البشر وهم يحملون هذه الآلات على مناكبهم وفي أيديهم في كل مكان يدلف إليه، حيث أصبح الاعتماد الكلي في نقل الخبر على هذه الآلة أو تلك، من إعلان عن بضاعة جديدة، أو خبر سياسي، أو اقتصادي أو ثقافي، وما إلى ذلك، وإذا أراد الباحث أن يعرف الصورة الإعلامية، ومن أين أتت، فعليه أن يعرف أن الخبر المشار إليه كان ينقل مشافهة، وعن طريق الصورة المرسومة المنقولة عن القول الشفاهي، لكنها تطورت في مراحل التاريخ المختلفة، فكل عصر عبر عن صورته بطريقته المتاحة، وجاءت عن طريق الفعل( علم وأعلم) أي أخبر ودل، ومنها علم الدولة والشركة والمؤسسة، وغيرها، وقد عرضنا في هذا البحث مراحل الصورة ودورها المؤثر، شئنا أم أبينا، فلا يمكن أن يتم عمل يومي بدون الصورة في مجملها، أما في الإعلام فالأمر أخطر من كل مصلحة يومية قد لا تتعدى الإثبات الشخصي، حيث اهتم الإعلام بالصورة منذ القدم، فقد قام الإنسان بتمثيل الحدث بالحركة والصورة الصوتية، ثم جسدها إلى صورة حركية، يعد ظهور جهاز التلفاز السحري الذي حركها على هيئة تجسيد فعلي، تتحكم فيه زاوية الكاميرا، وعرضنا في هذا البحث لخمسة محاور، عن الصورة الذهنية، وهي الصورة التي تعتمد على التصور الخيالي، مما ينقله الراوي للمستمع من صور إعلامية حقيقية ومتخيلة، وعلاقة الصورة باللغة وما دار حولها من خلافات عند بعض الباحثين، وخلصنا إلى أن الصورة واللغة يسيران في خطين متوازيين يكمل كل منهما الآخر ، وذلك يعتمد اعتمادا كليا على ما تنقله اللغة من صور بيانية، قد تؤثر في المتلقي وترسم له صورة قوية تغير من سلوكه أو تقنعه بفعل شيء ما، وقد قام المحترفون في تحويل النصوص الصالحة للتمثيل بتجسيد هذه النصوص إلى حركة بدلا من الجمود والتأويل في الصورة الصوتية، وفي الختام يجب علينا التعامل مع هذه الآلة وغيرها بالأمور التالية:

1- أن نتعامل معها من جذور ثقافتنا، وذلك بأن نبني أفعالنا على أقوالنا انطلاقا من الثقافة العربية المسلمة منذ المراحل الأولى في مدارسنا.

2- أن نصحح الصورة العربية من التشويه الذي لحق بها بما لها من جذور أخلاقية أمام الآخرين، ولا يتم ذلك إلا بالجدية في سلوكياتنا العامة والخاصة.

3- ألا نصدق بكل ما ينقل إلينا من صور تخدم أهدافا مؤدلجة، دينية أو مذهبية أو عرقية أو غيرها.

4- أن يكون لنا اتحاد يدافع عن حقوقنا بالحجج العلمية، وأن نبتعد عن الشعور العاطفي في الرد على الآخرين.

5- أن نتجاوز آراء السخفاء والحاقدين والمنحرفين، فلا نضخمها ونحسب لها وزناً، فديننا وأخلاقنا أكبر من سفاهاتهم، فلا نزن عقولنا بعقولهم كي لا يصبحوا أبطالا في عيون الآخرين.

- - - - - - - - - - - - - - - - - - - -

المراجع والمصادر:

1- سورة الانفطار، آية 7

2- سورة آل عمران6.

3- لسان العرب، مادة ذهن، ص68،دار إحياء التراث العربي.

4- انظر، سلطان سعد القحطاني (التراث الشعبي في النصوص السردية، الرواية في السعودية نموذجا) الملتقى الدولي الثاني( النص والمنهج) الجزائر، جامعة البويرة، من21-23 إبريل2008 .

5- انظر عرس الزين، للطيب صالح، بيروت1979، وسوق الحميدة لسلطان القحطاني، بيروت، دار الانتشار العربي، 2008.

6- الصافات، 65.

7- أبو عبيدة، معمر بن المثني ( مجاز القرآن) تحقيق فؤاد سزكين، مكتبة الخانجي، القاهرة.

8- ديوان امرئ القيس، تحقيق مصطفى عبد الشافي، القاهرة.

9- ديوان الأعشى، تحقيق محمد محمد حسين، القاهرة.

10- انظر، سلطان سعد القحطاني (الرواية في المملكة العربية السعودية، نشأتها وتطورها) ص229، وانظر، حامد دمنهوري (سقيفة الصفا) دار الرفاعي1984.

11- ديوان النابغة الذباني، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة.

12- تغريبة بني هلال، بين التاريخ والروايات الشفوية الهلالية الجزائرية، وزارة الثقافة بالجزائر.

13- صالح غازي الجودي ( الوسم عند العرب، ودلالاته العلمية) الرياض.

14- انظر،علم اللغة التطبيقي، تحرير ( ألن دافيد إلدر، وكاثرين إلدرA.Elder.C.Elder) جامعة أم القرى2004.

15- انظر، الفن الهندسي في الكنائس- مصر، تحرير مجموعة من الباحثين في فن العمارة,

16- انظر، سلطان سعد القحطاني( ثقافة الصورة في النصوص السردية) نادي أبها الأدبي.

17- انظر، عبد الله الغذامي (ثقافة الصورة وسقوط النخبة) المكتب العربي.

18- الغذامي، المصدر نفسه.

19- حسن خليفة ،موقع الجزائر أون لاين.

20- عبد الله العسكر، جريدة الرياض، ع33912، في 12-8-2004.

21- سلطان سعد القحطاني(صورة العرب في السينما الأمريكية بعد عصر الاستشراق) ص278، جامعة فيلادلفيا، عمان