ترجمة- د. حمد العيسى :
التعريف والأسباب: «عائق الكاتب/الكاتبة» أو «قفلة الكاتب/الكاتبة» هو حالة ترتبط في المقام الأول مع الكتابة كمهنة، حيث يفقد الكاتب/الكاتبة القدرة على إنتاج عمل جديد. ولكي نبتعد عن التحيز الجندري سنسميه «عائق الكتابة». وتختلف هذه الحالة على نطاق واسع من حيث الدرجة والشدة. فيمكن أن تكون تافهة مثل وجود صعوبة مؤقتة في التعامل مع المهمة الحالية. ومن ناحية أخرى، يمكن أن تكون مفرطة في الشدة بحيث يجعل ذلك العائق بعض الكتاب غير قادرين على العمل لشهور قد تمتد لسنوات، بل وقد يصل الأمر إلى التخلي عن حياتهم المهنية في الكتابة. ويعرف الباحث الأمريكي مايك روس عائق الكتابة بأنه «عدم القدرة على بدء أو مواصلة الكتابة لأسباب لا علاقة لها بعدم وجود مهارات الكتابة أو الالتزام المهني» (المصدر: كتاب «عائق الكتابة: البعد المعرفي»، مايك روس، 1984، دار جامعة جنوب إيلينويز للنشر). ويمكن أن تتجلى هذه الحالة على الكاتب المتأثر عندما يتصور كتاباته على أنها رديئة أو غير مناسبة أو سيئة أو حتى زبالة مثل حالة كاتب هذه السطور أحيانا، في حين أنها على عكس ذلك. وبحسب القاموس الشامل للتحليل النفسي، فقد كان أول من شَخّصَ هذه الحالة وابتكر اسمها (Writer›s block) في عام 1947 هو المحلل النفسي النمساوي/الأمريكي إدموند برغلر (1899- 1972) وذلك حيث قسمها برغلر إلى عائق جزئي وعائق شامل وأرجع سببها للشعور بالخوف وعدم الأمان بسبب جفاف الابتكار في أفكار أو أساليب الكتابة وقال إن أصله يكمن في الأنا العليا (سوبر إيغو) Superego. وهي أحد أقسام النفس Psyche التي وضعها سيغموند فرويد ليصف فكرته عن التقسيم بين العقل الواعي والعقل اللاواعي: الهي ego والأنا id والأنا العليا Superego. حيث يعتقد فرويد أن هذا التقسيم يقدم وصفا ممتازا للعلاقات الديناميكية بين الوعي واللاوعي، فالأنا (غالبا ما تكون واعية) وتتعامل مع الواقع الخارجي، والأنا العليا (واعية جزئيا) وهي المحاكمة الأخلاقية الداخلية.
أسباب عائق الكتابة
أسباب عائق الكتابة عديدة. بعضها أساسها مشاكل إبداعية في جوهرها تنبع من داخل العمل نفسه. فقد ينفد إلهام الكاتب. وقد يحدث شيء جانبي يمنع تركيز الكاتب ليشعر أن هناك شيئا ينبغي القيام به قبل الكتابة. وقد يكون هناك سوء فهم جذري للموضوع، أو أن يكون فوق تجربة أو قدرة المؤلف.
وهناك عوائق، خصوصا من النوع الأكثر جدية، تنتج بسبب ظروف سلبية في حياة الكاتب أو مهنته: كالأمراض الجسدية، والاكتئاب، ونهاية علاقة زوجية أو رومانسية، والضغوط المالية، والشعور بالفشل. كما أن السعي الجنوني نحو الكمال المثالي الخالي من العيوب يعتبر سببا شائعا وكذلك عدم تقبل النقد وجلد الذات لارتكاب خطأ سابق وتوهم سخرية الناس من ذلك الخطأ. كما أن الضغوط الشديدة على الكاتب لكي ينتج ويواصل النجاح السابق قد تسهم كثيرا في عرقلة الكاتب، خاصة إذا اضطر للعمل بطرق ضد ميوله الطبيعية مثل أن يعمل بسرعة كبيرة أو بأسلوب غير مناسب أو في مكان غير مناسب أو أن يغامر بدخول نوع أدبي Genre لم يتعود عليه. وفي بعض الحالات قد يكون عائق الكتابة بسبب شعور بالخوف من عدم تكرار نجاح سابق كبير كما أسلفنا، حيث يضغط الكاتب على نفسه ضغطا هائلا يشله وهو يحاول إنتاج شيء يكون بمستوى ذلك النجاح الساحق مجددا. الكاتبة إليزابيث جيلبرت تأملت مرحلة «ما بعد نجاح البست سيلر» التي مرت بها واقترحت لتخفيف الضغط النفسي وصف الكاتب المبدع بأنه يملك «عبقرية» بدلا من كونه «عبقري»
عملية الكتابة
وقبل أن نسرد بعض تجارب الكتاب في فك وكسر عائق الكتابة، ربما من المناسب أن نسرد بعض المقولات عن عملية الكتابة نفسها لأنها لا تخلو من حكمة وفائدة جمة. فعندما نواجه مشروعا كبيرا، سواء كان ذلك تصميم منزل أو وضع بلاط جديد في الصالون، فإن معظمنا يرغبون في الاعتماد على خبراء مهنيين لتقديم المشورة. ولذلك لماذا ينبغي لمشروع الكتابة أن يكون مختلفا؟ فكما سنرى، الكتاب المحترفين لديهم الكثير من التجارب تخبرنا عن عملية الكتابة. قد تكون بعض النصائح مفيدة، وبعضها مشجع، وبعضها قد لا تفعل أكثر من زرع ابتسامة. وفيما يلي بعض النصائح المجانية من كتاب آخرين عن عملية الكتابة:
إرنست همنغواي: لا يوجد قاعدة عامة لكيفية الكتابة. أحيانا تأتي الكتابة بسهولة ومثالية، وأحيانا تكون مثل حفر أوثقب صخرة صلدة أو تفجيرها بقنبلة.
ونستون تشرشل: الكتابة هي مغامرة.
هنري لويس منكن: ليست هناك مواضيع مملة، هناك فقط كتاب مملون.
سنكلير لويس: الكتابة هي مجرد عمل، ليس هناك سر. إذا كنت تملي الكلام على آخر أو تستخدم قلم أو تطبع على الآلة الكاتبة، فهي لا تزال مجرد عمل.
ليليان هيلمان: لا شيء تكتبه، إذا كنت تتمنى أن يكون رائعا سيكون كما كنت تتمنى في البداية.
إلوين بروكس وايت: استخدام اللغة الإنجليزية هو أحيانا أكثر من مجرد ذوق وحكمة وتعلم، أحيانا إنه مجرد حظ.
ميغ شيتندن: كثير من الناس يسمعون أصواتا لا وجود لها. ويطلق على بعضهم مجنون ويحبسون في الغرف حيث يحدقون في الجدران طوال اليوم. وآخرون يطلق عليهم كتاب ويقومون الى حد كبير بنفس الشيء
مايكل شابون: عندما أنتهي من المسودة الأولى، أجدها دائما بنفس القدر من الفوضى كما هو الحال دائما، لا أزال ارتكب الأخطاء نفسها في كل مرة.
بنوك إيان: الكتابة هي مثل أي عمل آخر. كلما مارستها أكثر، زاد إتقانك لها. لا تحاول أن تنشد الكمال وأنت تكتب النص، بل واصل حتى إنهاء النص الملعون. تقبل عدم الكمال. ركز على إنهاء النص ومن ثم يمكنك العودة والتنقيح. إذا حاولت تحسين كل جملة، فهناك احتمال كبير بأنك لن تتجاوز الفصل الأول مطلقا.
بول جونسون: في آخر المطاف الكاتب لا يتعلم الكتابة إلا عن طريق الكتابة. يجب عليه وضع الكلمات على الورق حتى لو كان غير راضيا عنها. والكاتب الشاب يجب أن يعبر العديد من الحواجز النفسية للحصول على الثقة في قدرته على إنتاج عمل جيد خاصة لأول كتاب، ولا يمكنه إنجاز ذلك عن طريق التحديق في ورقة فارغة، بينما يبحث عن جملة كاملة أي مثالية وخالية من العيوب.
وارن روبرت: الكتاب الحقيقيون هم أولئك الذين يريدون الكتابة، ويحتاجون للكتابة، ويجب عليهم الكتابة.
إدغار لورنس دوكتورو: الكتابة هي رحلة استكشاف. تبدأ من لا شيء، ونتعلم في الطريق. الكتابة هي مثل قيادة السيارة ليلا في الضباب. يمكنك فقط أن ترى بقدر ما تسمح به المصابيح الأمامية، ولكن يمكنك مواصلة الرحلة بأكملها بهذه الطريقة. الكتابة هي شكل مقبول اجتماعيا من الشيزوفرينيا.
شارون أوبراين: أصبحت الكتابة بالنسبة لي مثل عملية استكشاف لدرجة أنني لا أستطيع الانتظار لمواصلة العمل في الصباح: أريد أن أعرف ما سأقوله.
دانيال بورستين: أكتب لاكتشاف ما أعتقده، وعلى أية حال البارات لا تفتح في وقت مبكر.
جين فاولر: الكتابة سهلة: كل ما عليك فعله هو الجلوس والتحديق في ورقة بيضاء حتى تسقط قطرات من الدم من على جبهتك.
راي برادبري: أنت تفشل حقا فقط عندما تنهزم أمام عائق الكتابة وتتوقف عن الكتابة.
ستيفن يكوك: الكتابة ليست صعبة. فقط احضر ورقة وقلم رصاص، واجلس، واكتب ما «يخطر» على بالك. الكتابة سهلة ولكن أن «يخطر» شيء على بالك هو الصعب حقا.
غراهام غرين: الكتابة هي شكل من أشكال العلاج، وأحيانا أتساءل عن كل أولئك الذين لا يكتبون ولا يؤلفون ولا يرسمون (ولا يترجمون)، كيف يمكنهم الهروب من الجنون، والميلانخوليا، وحالة الذعر والخوف، المتأصلة في الإنسان.
جون غاردنر في كتاب «فن الرواية للأدباء الشباب»: هذا يعني من الناحية العملية للطالب الكاتب هو أنه لتحقيق التفوق في الكتابة لا بد له من قراءة عميقة وعريضة ويجب أن يكتب ليس فقط بعناية ولكن أيضا بشكل مستمر، ويقيم بعناية ويعيد تقييم ما يكتب، لأن الممارسة العملية للكاتب تعادل مثيلتها لعازف بيانو، وهذا هو لب المسألة.
صموئيل جونسون: عموما، ما يكتب بدون جهد تتم قراءته بدون متعة.
أضرار الإلهاء
وبحسب مجلة «الشعراء والكتاب» الأمريكية Poets AND Writers (عدد يناير/فبراير 2012): فليس من المستغرب أن يكون هناك سيل من الأخبار المزعجة عن تأثير شبكات التواصل الاجتماعي الحديثة علينا، وعلى وجه التحديد حول ما يعنيه هذا لأدمغتنا. معظم الأخبار ليست جيدة جدا: حيث تشير إحدى الدراسات أن هذه الوسائل تخفض من قدرتنا – بدون أن نشعر - على التفكير التحليلي النقدي الموضوعي. ويدعي آخرون أن خطر الإلهاء Distraction الذي تسببه هذه الوسائل يخفض نقاط معدل الذكاء IQ، وأن المرء – خاصة الكاتب - يحتاج لفترة تصل إلى 25 دقيقة لاستعادة التركيز بعد قراءة إيميل أو رسالة نصية (إس إم إس) أو مكالمة عبر الجوال. وقال ما يقرب من نصف الأشخاص الذين خضعوا لهذه الدراسة إنهم لا يستطيعون العمل أكثر من 15 دقيقة متواصلة فقط دون حصول إلهاء وتشتت للفكر من شبكات التواصل الإجتماعي. وقال أكثر من النصف إنهم يضيعون على الأقل ساعة واحدة كل يوم بسبب الإلهاء.
وتقدر دراسة أخرى أن هذا الإلهاء يكلف الاقتصاد الأمريكي نحو 650 مليار دولار سنويا من الإنتاجية المفقودة. ويبدو أن نتائج هذه البحوث تؤكد صحة مقولة المفكر الروماني بوبليوس سيروس الذي قال: «عندما تحاول فعل شيئين في وقت واحد فهذا يعني أنك لن تفعل أي منهما بالتأكيد». هذه الآثار الضارة تم فهرستها بالتفصيل في كتاب نيكولاس كار: «الضحالة: ما تفعله شبكة الإنترنت لأدمغتنا» (نورتون، 2010). كار، وهو كاتب حر، لم يتمكن من الانتهاء من كتابة هذا الكتاب دون الانتقال مع عائلته إلى منطقة جبلية بدون شبكات إنترنت ولا جوال، أي بعيدا عن الإلهاءات التي تصدى لها في كتابه.
- - - - - - - - - - -
نصائح سريعة لفك عائق الكتابة
* ريتشارد فورد: لا تعترف بوجود عائق!!!
* كوينتين كريسب: تجاهله، أنت لا تتوقف عن الكلام، فلماذا تتوقف عن الكتابة؟!!
* نانسي هاثاواي: اخرج للمشي على قدميك.
* آمي والاس: اقرأ كتابا محببا.
* فيل مشنيك: ضع خمس مكعبات ثلج في كأس وأضف شرابا.
* هربرت جورج ويلز: جرب عنصر المفاجأة: بادر بالكتابة في وقت غير معتاد.
* جيه بي أورورك: اكتب شيئا رديئا. الكتابة السيئة أسهل.
* جون شتاينبك: تظاهر بالكتابة إلى عمتك.
* ستيفن سبندر: اكتب أي شيء، أي هراء يأتي في رأسك.
* نيكلسون بيكر: اشعر بالذعر من سرعة مرور الحياة. ثم ابدأ بالعمل.
* سينثيا أوزيك: أفضل وصفة طبية لعلاج عائق الكتابة: ابدأ بالكتابة!!!
انتهى الجزء الأول من بحث «عائق الكتابة». في الأسبوع القادم بحول الله نواصل مع الجزء الثاني والأخير حيث نطرح المزيد من النصائح والتجارب لفك وكسر «عائق الكتابة».
Hamad.aleisa@gmail.com
المغرب