أحيانا يبدو لي الاختلاف مصطلحا كرويا تعتقد أنك تعرف خارطته ببداياتها ونهاياتها إلا أنك وقت الرغبة في الخروج تجد أنك قد وقعت في فخ متاهة وأصبحت ضحية لعنة الدوران حول نفسك التي تحجب عنك وجوه الآخرين وأصواتهم،وتظن أن تكرر وجهك هو وجوه الآخرين وتكرر صدى صوتك هو أصوات الآخرين.
إنها لعنة الدوران التي تخلط بين حق المشترك وحق المفرد وحق الاندماج وحق الاستقلال. حتى يقع كل منا في وهم بأن صوته يمثل صوت الآخرين بالتشابه؛ باعتقاد أن التشابه يُجيز الإنابة.
وبأن وجهه يمثل هوية وجوه الآخرين بالتشابه ؛باعتقاد أن التشابه يُجيز الانتحال. كل منّا يُجيز لنفسه استعمار الآخرين بحجة غيابهم وبمقتضى التشابه معهم والمحايثة رغم غيابهم.
كل منا يُجيز لنفسه عزل أفكار الآخرين بمقتضى عدم التشابه والمحايثة رغم حيوية حضورهم،وإن المفرد وفق لعنة الدوران هو الكل بجواز الإنابة والانتحال، وهو جواز يشرع لحق الإقصاء باسم الجميع من خلال أناه الأحادية.
وبذلك فالتطابق يحمل الإقصاء كما أن الاختلاف هو أيضا حامل للإقصاء.
كما أن كليهما يشترط التشابه لتفعيل التوافق والتعايش الجمعي.
ليصبح الاختلاف حقا عند فاعل التطابق لكن بأس التشابه لا التمايز وهو أس ظاهره رحمة وباطنه عذاب.
وكذلك يصبح الاختلاف حقا عند حامل الاختلاف لكن بشرطية أس فاعل التطابق؛أي توفر التشابه.
أس يقيم الاعتبار العرفي قبل المقتضى عند فاعل التطابق؛ باعتبار أن الاختلاف بالتشابه هو محقق الاتحاد بقوة التطابق، وهو ما يجعل قيمة الاعتبار العرفي»الاتحاد بقوة التطابق» موازنا لقانون التشابه.
وهو أس يقيم المقتضى قبل الاعتبار العرفي عند حامل الاختلاف؛باقتضاء أن التطابق بالتشابه يمنع تجديد التجربة ويكرس النسخ.
مما يجعل الاختلاف وفق اعتبار التطابق حقا غير مكتسب خارج تلك الشرطية. ويجعل التطابق وفق اقتضاء الاختلاف حقا غير حضاري ورمزا للطغيان والتخلف خارج تلك الشرطية.
وأي حق مشروط يخضع لدائرة القانون.
وكل حق يرتبط بدائرة القانون يمثل حكما تشريعيا يرتبط جوازه من عدمه بتحقيق الغاية المتفق عليها من العقل الجمعي أو انتفائها.
وهنا يفترق التطابق عن الاختلاف على مستوى المساندة القانونية.
فكون التطابق يدعم الاعتبار العرفي «الاتحاد بقوة التطابق» فهو الأولى بالمساندة القانونية المحصنة بفقهية الحكم.
وبذلك يصبح تحقيق قيمة الاعتبار العرفي جمعية»الاتحاد» كموازن لقانون التشابه هي القيمة التي تحكم جواز الاختلاف وتتحكم في تحديد درجتي فساده وبطلانه،أو صلاحه لقيمة الموازن «الاتحاد بقوة التطابق».
وهذا الحكم في مجمله أقصد الاقتران بالجواز أو الاشتراط لتحقيقه لا يراعي وجوب التفريق بين التشابه والتطابق.
و التعامل معهما على أساس أن كليهما يمثل»سنة كونية» هو تعادل غير سليم، فالتشابه هو من يمثل»السنة الكونية» لا التطابق، والمساكنة بينهما اكتسبت ضرورتها بالتعود لا بحتمية التلازم، وبذلك فالتشابة لا يلزم التطابق كموازن لإتمام تحقيق وجود الاتحاد وقيمته فالكينونة تقوم على التشابه لأنها آلية التعايش الجمعي، واقتران التشابه بحتمية التطابق يفسد التشابه كآلية للتعايش الجمعي.
لأن التشابه كسنة كونية يتضمن الاختلاف اللازم بموجب تحقيق «حق الحرية « الذي يحافظ على الفروق الفكرية والعقدية والإنسانية للفرد والجماعة ليس لاستثمارها فقط في تطوير المجتمع وحضارته، بل ولمحاربة كهنوت الحلول والاتحاد الذي يستعمر حق حرية الفرد في الاختلاف بذريعة موازن التشابه الاتحاد بقوة التطابق.
كما أن التشابه كسنة كونية يتضمن حرية الاختلاف يحمي في ذات الوقت الاختلاف من التحول إلى صراع كما يحميه من سلطة المصادرة.
إن السنة الكونية تقوم على «نحن نتشابه لكننا نختلف» لا وفق «نحن نتشابه إذن نتطابق»،وبذلك فموازن التشابه في السنة الكونية الاتحاد بقوة الإنجاز لا بقوة التطابق، والاختلاف وفق التشابه كسنة كونية وموازن قيمتها تشرع لعالمية الإنسان وتحارب تطرفه العنصري القائم على الاتحاد بالتطابق.
ويُعلّمنا التاريخ أن تجاوز تلك السنة الكونية وفرض التشابه بالتطابق هو الذي أدى إلى الصراعات والحروب وتدمير المماليك والدول.
إنها لعنة القوة والغلبة التي تفرض على الضعيف والأقليات التشابه بالتطابق لتحقيق القيمة الموازنة للاعتبار العرفي «الاتحاد بقوة التطابق».
إن التشابه السنيّ يشترط في الاختلاف أن يصبح موازنا للتطوير والحضارة،
ومتى ما فقدت تلك القيمة الموازنة للتشابه السنيّ تحول الاختلاف إلى صراع،ولا يصل الاختلاف إلى مرحلة الصراع إلا إذا أصيب حامل الاختلاف بلعنة الدوران التي تدفعه إلى ممارسة الإقصاء وشرطية وجوب الاتحاد بقوة التطابق.
وهو بذلك يفقد دعم الضرورة السننية للزوميته المشروطة، ويحوله من حق مكتسب لحرية الفرد إلى خروج على قانون السنة الكونية.
يتولد موازن الاعتبار العرفي «الاتحاد بقوة التطابق» داخل الفرد والجماعة من خلال حصيلة لعنة الدوران التي توهم الجميع بتوحيد الوجوه والأصوات.
كما يتولد وفق ذلك الموازن الوهمي موازنا عكسيا بأن الاختلاف يهدد قوة الاتحاد بالتطابق.
وبذلك يصبح أي اختلاف لا يُحقق قيمة الاتحاد بقوة التطابق كموازن لقانون التشابه لا يقتضي حمل حكم الجواز في التداول.
والحكم بغير الجواز يقوم على أن الاختلاف الخارج على قانون التشابه والقيمة الموازنة له هو اختلاف فاسد.
و الحكم على الاختلاف بالفساد إذا تجاوز قانون التشابه والقيمة الموازنة له مُسند على أمرين أولهما استباقي «سدا للذرائع»، وثانيهما وقائي؛ أن ما يضر الجماعة أولى أن يُمنع وإن حمل للفرد منفعة؛فمنفعة الجماعة مقدمة على منفعة الفرد وفق القيمة الموازنة للتشابه «الاتحاد بقوة التطابق».
و وفق القيمة الموازنة للتشابه يذهب حامل الاختلاف إلى فساد التشابه حسب نوعية قيمة ذلك الموازن؛لأنه يتعارض مع أصل قيمة السنة الكونية للتشابه،وذلك الأصل هو الذي بموجبه يوضع قاعدة صناعة الحكم التشريعي لأنه يتوافق مع أصل القيمة،لا بموجب اعتبار لا يحمل قاعدة أصلية تؤهله لصناعة حكم تشريعي بجواز الفساد أو الصلاح.
إن التشابه لا يؤدي إلى الصراع إلا إذا اشتراط موازن الاشتراك التطابق، والاختلاف لا يؤدي إلى الصراع إذا اشترط موازن الاشتراك التطابق.
وهنا كلاهما يعاني من لعنة الدوران والاتحاد بقوة التطابق.
كما أن كلا منهما يسعى إلى إثبات «فقهنة» اعتباره، لتشريع قيمة موازنه،وحماية وجوده من الحكم بعدم شرعيته وبطلان حقوقه.
وبما أن الإجراء دليل الشرعية فمن يملك حق التصرف الثقافي من الطرفين يملك فقهنة اعتباره وشرعية موازنه واستحقاق أحكامه.
ليظل من لا يملك دليلا إجرائيا لموازن اعتباره لا يستطيع أن يفسد الود الثقافي.! أو هكذا أعتقد.