بئس التفكير.. حظ وعقوبة وعين كلما رآني بادرني بالقول: أنت محظوظ! يا أخي أنا كل ما أضربها تجي عوجاء! وش سالفتك؟ لك علاقة خاصة مع ربك؟ إلخ تلك الأسئلة والتبريرات التي أرهقني بها صاحبي، وهو يلقي كل أسباب ما أنا فيه على الحظ، وأسباب تردي وضعه على سوء الحظ.
قلت له: طفح الكيل يا صاحبي.. هذا الذي تسميه حظاً، هو عمل دؤوب وحرص على معرفة تفاصيل ما أنا مقبل عليه، والتخطيط المسبق لكل خطوة قادمة؛ بينما أنت تنتظر الأقدار، وتؤجل كل استعداد إلى أن يصبح العمل لذلك الأمر متأخراً، ثم تنوح على الحظ الذي تريد إلقاء تبعات تقصيرك عليه.
فالمجتمعات الجاهلة هي التي تنشأ فيها قوة تخيل شديدة، تلجأ إليها في أوقات الاضطراب، لخلق علاقات غير موجودة أصلاً بين الأشياء. فالمرء في تلك المجتمعات عندما يتعرض إلى لحظات كئيبة في حياته؛ يشعر فيها أنه عديم الحيلة، فإنه يربط بين أحداث وتوافقات ليس بينها رابط، كأن يطرق أحدهم على الخشب قبل موعد صفقة مهمة.
فيقدر أن ذلك الطرق هو سبب النجاح اللاحق في تلك الصفقة؛ وهذا يعني أن مجرد التفكير في حالة لا مخرج منها يقوي فيما يبدو الميل إلى التفكير الخرافي.
تذكرت حالة صديق آخر، كلما سمع تحليلاً بشأن حالات شاذة من السلوك أو وصف الأوضاع النشاز لبعض العائلات، أو طرق التفكير الغريبة؛ بادر المتحدث بقوله: استغفر، لا يعاقبك الله! وكأن أولئك الأشخاص، أو تلك الأوضاع قد نشأت جميعها بسبب عقوبة.
قلت له: كأنك بهذا التبرير تبرئ أصحاب السلوك السيء، أو الأخلاق غير السوية، مما يقترفونه، وأنهم مبتلون بذلك، وعلى الآخرين أن يتركوا الحديث عن كل تلك الأشياء المعيبة، لئلا يعاقبهم الرب أيضاً بها.
هذه قدرية معيبة. ومن الصفاقة أن ننسب كل تصرف غير سوي إلى القدر، وأن الناس غير مسؤولين عن أفعالهم، كما أن مجرد الحديث عنها يجلب حدوثها لمن تحدث بشأنها.
هذا تفكير طوطمي غريب! وعندما سمع أحد الحاضرين النقاش، أضاف: إنه أيضاً يعتقد بأن التخلف الذي أصاب المسلمين عقوبة لهم من الله، لأنهم لم يطيعوا أمره بالكامل، بينما أعطى الكفار حياة هانئة، لأنهم لم يهتدوا إلى الطريق الصواب على الإطلاق. أما الفيضانات والزلازل، فإن أصابت المسلمين، قال: إنها بسبب تبرج نسائهم، وإن أصابت غير المسلمين قال: إنها جزاء لهم على كفرهم.
قلت: ألم يقل بإمهال الكفار في هذه الحياة الدنيا، ليعاقبهم في الآخرة؟ قال: السبب عنده يكون حسب الظروف ووضع من تقع له تلك الظروف..
فقلت: أعان الله عقله على استيعاب المتناقضات! وقبل أن ننفض قال آخر: أجل لو عرفت رأيه في الحسد (الإصابة بالعين)، لأصابك الهلع. فهو يعتقد بأن رسوب أبنائه في مدارسهم بسبب العين، مع أنهم لم يكونوا نابهين أصلاً في يوم من الأيام، حتى يصيبهم أحد بذلك، أو يعجب بهم.
ويرى أن منزله الذي تصدعت أركانه بعد سنتين من بنائه كان أيضاً بسبب حسد الناس إياه على ذلك المنزل، الذي كان قد اختار له أسوأ المقاولين المعروفين بالتلاعب وعدم الإخلاص في عمله.
فكان طبيعياً أن تظهر آثار ذلك الإهمال على بيته بعد فترة قصيرة من إنشائه.
ومن المفارقات الغريبة، أنه كان يكتم خبر البناء خوفاً من الحسد، وبعد أن رأى ما حل بمنزله رغم كتمانه أمر البناء، ما يزال يؤمن أن ما أصابه هي عين «لم تصل على النبي».
حرسك الله يا قبلة الأنظار أنت وأبناءك!
الرياض