عندما يلامس الأذان ويلج الوجدان اسم سوق عكاظ تتشكّل عند المتلقي صور وتخيلات وعالم افتراضي يقربنا إلى مسافة قد تكون مقنعة عن ذلك الماضي العظيم لهذا السوق وما كان يدور فيه من فعاليات، كان لها صدى وأثر وتأثير سياسي واجتماعي وإبداعي وميداني للمنافسة في كلِّ سبل الإبداع الإِنساني.
وقد يكون من تلك الخيالات ما يتعلّق بما يطرح في السوق التي قام المنظمون له وبمتابعة وإشراف مدروس من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل ما يجعله في مسافة قريبة من الواقع المستحضر من الماضي واستعادته في محيط يعجّ بِكلِّ مشاهد الحضارة العصريَّة بِكلِّ أشكاله البيئيَّة من بنى تحتيَّة أو عقليَّة التي تمثلها ثقافة العصر، هذا التقريب برز في مختلف المناشط والفعاليات المتنوّعة في المهرجان فأصبح المشاهد لها في حالة انفصال تام عن حاضره نحو مرحلة وفترة زمنيَّة وحقبة تاريخيَّة بِكلِّ أشكالها وأنماط حياة من فيها، ملابس وطرق إلقاء وتنافس في الشعر والقصائد ومسيرات تبرز الاهتمام في المركب من خيول وجمال وكيف كانت تتمايز فيما يضفيه اصحابها عليها من أشكال الزينة إلى آخر منظومة ما أصبح عليه هذا المهرجان من خصوصيَّة عالميَّة وليست محليَّة.
وقد كان للفن التشكيلي حضوره المتميِّز والجاذب للأنظار والكاسب للإعجاب يمكن لنا أن نعرج عليه في هذه الصفحة التي لا تزال تحمل صدى هذا الإِنْجاز الثقافي الجميل والعظيم تاريخًا ومحتوى وتنفبذًا.
فن حديث في حدث معطر بعبير الماضي العجيب في الأمر أن ما قدّم في معرض الفنون التشكيليَّة المصاحب للمهرجان الذي حصل فيه ثلاثة فنانين على جوائز مسابقة لوحة وقصيدة، كان يحمل الصفة المعاصرة والحديثة من حيث التنفيذ، نتيجة لما منح هذا الفن من حريَّة في لتعبير والتنفيذ حسب تجربة لفنان وخبراته وأسلوبه فبرزت العديد من الاتجاهات منها ما وجد الفنان فيها فرصة لنقل الماضي واستحضاره بخيال واسع بناء على معرفة مسبقة لهذا الحدث العربي الكبير، ومنهم من وجد في استلهام القصيدة مساحة من الولوج إلى أعماق الحداثة مختصرًا مسافة الإيحاء إلى الإشارة والرمز أخذاً من القصيدة روحها مازجًا لها بمشاعره وأحاسيسه دون مطابقة أو تقريب يشابه وسيلة الإيضاح أو التصور والتصوير الواقعي الذي قد لا يوفق فيه الفنان.
جرأة ومزج بين الأمكنة والأزمنة
ومع أن لِكُلِّ مجال واتجاه طعمه ومذاقه البصري فقد ظهر المعرض بمستوى عالٍ من الإبداع، وحضور متميِّز لأسماء عدَّة من مختلف الأجيال، وكثافة في جيل الشباب، تنافسوا ليس لكسب لجائزة فحسب بقدر ما يرون أن مثل هذا المهرجان وفكرته وما يتضمنه من عطاءات إنسانيَّة لم يكن للفن التشكيلي فيها أي مساحة سوى فيما يظهر على لمصنوعات والمنسوجات التي تزيِّن الخيام أو تجمل به الخيول والجمال في ذلك الوقت وقد لا يستطيع فع المقابل له إلا من لديه القدرة المادِّية والمكانة الاجتماعيَّة، أنماط وأشكال كانت ولا زالت مصدر إلهام للفنانين الذين وظفوها بأساليب حديثة جمعوا فيها بين الأزمنة والأمكنة.
اللوحة والقصيدة
والقواسم المشتركة
لم يكن دخول الفن التشكيلي في هذا المهرجان بالذات فرصة لولا فكرة الجمع بين القواسم المشتركة في كلِّ منهم، فالقصيدة لوحة مقروءة باللِّسان واللوحة مقروءة بالعين وينتهي بِكلِّ منهما المطاف إلى الوجدان بعد العقل، ولهذا وفق من ابتدع حضور الفن التشكيلي ووفق التشكيليين في إجادتهم جمع تلك القواسم مع أن لِكُلِّ من هذين الإبداعين خصوصيته، فالفن التشكيلي من يتميز بأن ليس له حاجة إلى مترجم، يقابلها في القصيدة أن للشاعر المساحة الأكبر عند التعبير ووصف ما يريد تبيان حسَّنه أكثر من الفنان الذي يتوَّقف ذلك الوصف عند الشكل المباشر في اللوحة.
رأي ورؤية ومقارنة
مهما تحدثنا أو أشرنا بالإشادة أو بالنقد أو أي من وجهات النَّظر عن بعد من خارج دائرة المسئوليَّة مقارنة بما يحمَّله الأستاذ والفنان فيصل الخديدي رئيس لجنة الفنون بسوق عكاظ مدير جمعيَّة الثقافة والفنون بالطائف والمشرف على المسابقة الذي قال عن مسابقة لوحة وقصيدة: إنها ومنذ تأسيسها تزدان عامًا بعد عام إلا أن المسابقة هذا العام تميزت المسابقة بتنوّع مختلف المشارب وبمشاركات وفيرة ظهرت فيها المستويات الفنيَّة أكثر تميزًا من الأعوام السابقة وذلك بعد أن فتح المجال للتشكيليين العرب المقيمين بالسعوديَّة بالدخول في المنافسة إضافة إلى تعدد المراكز بثلاثة مراكز بدلاً من مركز واحد، مما يعني أن المسابقة تتطوّر وتتنامى بشكل منهجي في جميع جوانبها من تحكيم ومن شروط مشاركة ومن تنظيم، راجين أن تستمر في التطوّر والرقي والانفتاح على أكبر جزء من الفنانين وأن تكون نواة بينالي عربي وعالمي وتشمل جميع أوجه ومجالات الفنون التشكيليَّة، فالفن التشكيلي السعودي يستحقُّ الكثير والحضور السعودي في المحافل العالميَّة أصبح مشرفًا على المستويات الشخصيَّة، وسوق عكاظ برعايته لمسابقة بحجم مسابقة لوحة وقصيدة عمل على تأصيل الفن التشكيلي من خلال مواءمته مع ذاكرة الشعر العربي، فيها وباستمرارها يضع لبنة جيِّدة لهويَّة تشكيليَّة امتزجت بهويَّة الشعر العربي الأصيل في إطار حديث ومعاصر).
وبالنَّظر في واقع المسابقة الحاليَّة نجد أن شروط المسابقة المعلنة لم يكن بها شيء من التعقيد والتقييد لحريَّة الفنان في صياغة عمله من الناحيَّة التقنيَّة أو حتَّى الموضوعيه فاختيار القصائد التي يستلهم الفنان عمله ويستوحي مضمونه وإيحاءاته منها متروك للفنان سواء بقصيدة فصحى أو غير ذلك لشاعر من عصرنا هذا أو من أي عصر من عصور الأدب العربي.
وقد مرَّت عمليَّة التحكيم بست مراحل بعد أن فرزت الأعمال وعرضت أمام لجنة التحكيم بمقر جمعيَّة الثقافة والفنون بالطائف، كان في لجنة التحكيم كل من الفنان عبد الله حماس والدكتور عبد العزيز الحجيلي والفنان السوري ربيع الأخرس، وتَمَّ ترشيح لجنة التحكيم كما متبع في جميع نسخ مسابقة لوحة وقصيدة وفق آليَّة متبعة ومعتمدة وهي (عضويَّة أكاديمي سعودي متخصص في الفنون أوالتَّربية الفنيَّة، وعضويَّة فنان سعودي صاحب تجربة تشكيليَّة بارزة، وعضويَّة أكاديمي أو تشكيلي عربي مقيم بالسعوديَّة) الجدير بالذكر أن الإقبال على المشاركة في المسابقة كبير حيث تقدم 130 فنانًا وفنانة بما يزيد عن 160 عملاً مختلفة المدارس والمشارب الفنيَّة، وهو الذي جعل معرض لوحة وقصيدة بسوق عكاظ من أكثر الفعاليات إقبالاً وتفاعلاً، وقدمت الأعمال المشاركة في المسابقة للجمهور من خلال كتاب فاخر يضمّ صور الأعمال والقصائد المشاركة بالمسابقة.
monif@hotmail.com