جلس على مقعده الوثير، في تلك الليلة الباردة والثلج يغطي إطار النافذة وصوت طقطقة النار في المدفأة التي أمامه يتعالى.
تنهد وهو ينظر إلى ألسنة اللهب الصفراء وتمتم (الليلة عيد) ونظر باتجاه الشجرة الصغيرة جوار النافذة التي يرقد جوارها صندوق يبدو من مظهره أنه يرقد منذ زمن!!
نهض نحوه بتثاقل ليضع جواره علبةً جديدةً براقة ويتمتم من جديد بصوت ملؤه الألم (الليلة عيد!!).
توالت الخيالات أمام ناظريه وهو يستعيد ذكريات مضت، حيث كان يهتف بكل مرح وسرور (الليلة عيد).
حتى وصلت به الذكريات إلى اللحظة التي اختفى فيها كل مرح وفرح في ثنايا هذه الجملة!!
كانت يوم عيد بارد ككل عيد، برودةٌ خارجية ليست في ثنايا البيت، فقد كانت أجواء بيته دافئة يغمرها الحب والحنان، لكن..... وفي يوم عيد والضحكات تغمر المكان والفرح يحلق في الأرجاء، خرج (هو) و(هي) تلك التي أكسبت أيامه الفرح والسرور.
(هي).. التي غمرت جنبات بيته بدفءٍ لا يوصف، (هي) التي توجت حياته بالسعادة.
خرجا أمام منزلهما ينظران إلى السماء ويرتسم عليها حلمها الذي تحقق هتفت في حبور «الليلة عيد,, وأحلامي معك تتحقق»، رد عليها بسرور «الليلة عيد.. وأنتِ كل أحلامي».
نظرت إلى الطريق الفارغ أمام بيتهما ومشت له تراقب سرب الطيور الذي مر أمامه في رحلته إلى البلدان الدافئة، نظرت له وقالت «أتمنى أن أطير!!» نظر (هو) لها بسعادة وهو يرى فرحتها وهي تجري بسرور خلف السرب، وقف متأملاً جمالها وبراءتها.
وفي لحظةٍ غادرةٍ، اختفت تلك البراءة وذلك الجمال! فقد تعالى صرير عجلات سيارةٍ ما تلاه صوت اصطدام فانطلق يركض مذعوراً! ليرى ذلك المشهد الذي لم يحلم به أبداً، حبيبته ممددةٌ على الطريق أمام تلك السيارة التي نزل قائدها مذهولاً لا يعرف ماذا يفعل.
انطلق يحملها بين يديه لتفتح عينيها بضعف قائلة «كنت أريد أن أطير معهم!» وقبل أن ينطق بحرف واحد طارت روحها خلف السرب.
عاد إلى أرض الواقع وتنهد بألم شديد وتمتم بغصةٍ مريرة
الليلة عيد!!
وما ودي آخذ من شتاء وقتك كثير
الليلة ودي أعاتب صورتك وأقول لك
في كل عام وكل حزن .. (ليتك بخير)
ورفع عينيه ينظر إلى صورتها المعلقة أعلى المدفأة، لتسقط دمعته على صندوقها الذي وضعته جوار الشجرة قبل خمسِ سنوات.