الثقافية - عطية الخبراني
قال أمين مركز الملك عبدالله الدولي لخدمة اللغة العربية ورئيس مجلس إدارة أدبي الرياض المستقيل مؤخراً الدكتور عبدالله الوشمي في حديث خص به الثقافية إنه يؤمن بأن النجاح لا معايير رياضية يمكن أن نجعله رهينة لها، أو أن نجعلها ضابطا معياريا له، وإنما يخضع حيناً، ويجمح أحياناً، ولكن ضابطاً عاما تواطأ الناس عليه بأنه مؤثر كبير في سلم النجاح، ألا وهو العمل الجماعي ومشاركة العقول للعقول.
وأضاف الوشمي: حين طلب مني الكتابة عن تجربتي في سنوات أدبي الرياض، وجدت - ربما بأثر القرب العاطفي والزمني - أن الموضوع أكبر من أن أختصره في زاوية معينة، وأن مشاهد العمل في أدبي الرياض ممتدة ومتنوعة، وفضلت أن ألجأ إلى التركيز على إحدى التجارب المهمة، بهدف تقديمها إلى الزملاء والزميلات، لأخضعها إلى المساءلة والفحص، وذلك بعد الابتعاد النسبي؛ لتكون باباً يمكن طرقه باستمرار، وهي تجربة الشراكة مع المؤسسات المتعددة لخدمة الشأن الثقافي في مشهدنا المحلي والعربي.
ويعتقد الدكتور الوشمي أن الشراكة لا تعني الضعف لأي من الطرفين، ولا يمثل الطرف المبادر إليها وضعية المستفيد، وإنما الشراكة هي محصلة رؤى عميقة باتجاه تحقيق أهداف مشتركة، ومهما - تفاوتت أقدار الطرفين وانتماءاتهم المرجعية ومواقعهم المكانية - فإن الشراكة تفيد كلا منهم، وفق أبجديات العمل ورؤى التفاوض وسلم الأهداف والنتائج المتوقعة.
ويواصل الوشمي حديثه بالقول: أتذكر عددا من الزملاء في الأندية الأدبية الأخرى حين يقطعون بأن ميزانية أدبي الرياض أعلى من غيره من الأندية، وذلك بسبب كثرة الأنشطة وتنوعها، حتى انعقد - أحيانا - أكثر من عشر محاضرات في أسبوع واحد، وأقمنا أكثر من نشاط في أكثر من مكان في يوم أو أسبوع واحد، وقرأ الناس وشاركوا في فعاليات متنوعة ذات موضوعات متفاوتة في حيز زمني متقارب جدا، وكان ذلك مبعث سؤال كبير: كيف يموّل النادي برامجه وأنشطته؟! والحقيقة - والحديث للوشمي- أنني حسمت في داخلي أن (قدْر الشراكة هو الذي يفوح)، بخلاف ما يقوله المثل الشعبي الرائج عند بعضنا، وإذْ امتلأت بهذه الحقيقة، فإن زملائي في ثلاثة مجالس متتالية آمنوا بذلك، ورعوا هذه الفكرة، وتابعوها كلٌ بحسبه، ومن هنا، فهي رؤية المجموعة لا رؤية الفرد، ومهما تفاوتنا في درجة الإيمان بالفكرة، أو بالتطبيق، أو بنتائجها، إلا أن الرؤية العامة في مجلس الإدارة هي داعمة لهذه الرؤية ومحفزة باتجاهها.
ويميل الوشمي للحديث جهة أدبي الرياض الذي غادر رئاسة مجلس إدارته منذ أيام فيقول: وانطلاقاً من أن أدبي الرياض له تكوين أدبي، ونشاط ثقافي عام، فإنّ فكرة الشراكة الثقافية المؤسساتية لا تعني إيجاد شركاء مماثلون بالضرورة، وإنما تشارك النادي مع مؤسسات أكاديمية (جامعة الإمام وجامعة الملك سعود)، ومؤسسات إعلامية (القناة الثقافية وإذاعة الرياض)، ومؤسسات فنية متعددة (التشكيليون والفوتوغرافيون وجمعية الطوابع والعملات)، ومؤسسات تجارية صرفة مثل مهارات التدريب، ومؤسسات اقتصادية (بنك الرياض)، ومؤسسات وطنية كبرى (وزارة الاتصالات، والبريد السعودي والجنادرية)، وغيرها من المؤسسات, إضافة إلى أن هناك شراكات أثمرت مخرجات علمية كبرى مثل (المختبر الإبداعي مع قسم الأدب)، واستضافة مؤسسات مثل (نادي فوتوغرافيي الشرق الأوسط)، وإصدارات علمية مثل (إدارة التربية والتعليم وقسم الأدب بجامعة الإمام)، واستمرار في الدعم لمدة سنوات مثل (جائزة كتاب العام مع بنك الرياض)، وغيرها.
ويتابع الوشمي قائلاً: ولئن أتاحت الشراكة حيزا واسعاً من الأنشطة والتنوع، فإنها كشفت لنا عن أهمية ضبطها حسب معايير عامة، وليست تفصيلية، وذلك لأنها لا تتجه الوجهة التجارية الصرفة، وإنما تنحو منحى ثقافياً تطوعياً، وهو ما يوجب أن تتم رعايتها بالذوق والعلاقة الحسنة وتمكين الشريك من أن يأخذ فرصته الإعلامية، وأن تتاح له الفرصة بالظهور على الحدث، وإذا ارتقت الشراكة إلى مستوى توقيع الاتفاقية فهذا أميز، وقد كان أدبي الرياض سابقاً في ذلك، وانتقلت صيغ اتفاقياته إلى عدد من الأندية، وخاصة ما يتصل بالنشر الخارجي، والشراكة مع الجامعات، والتنسيق مع الجمعيات الفنية, ويطيب لي هنا أن أوسّع القول في إحدى شراكاتنا السابقة، وهي التي انعقدت مع صحيفة الجزيرة، حيث اتسمت بما يأتي:
1 - الإيمان بالفكرة من الطرفين، والسعي إلى تحقيق أهدافها بالدرجة نفسها من الوعي والتقدير.
2 - يملك الزملاء في الصحيفة وعيا ثقافيا كبيرا جعلهم وجعلنا نتكامل في صناعة الفعاليات، دون أن تكون مشاركة الجزيرة على سبيل الرعاية أو الدعم العام، وإنما تحولت من وسيلة إعلامية لتضم إليها الوسيلة الثقافية، فاشتركنا سويا في صناعة شراكتنا من الزاوية الإعلامية والثقافية.
3 - تعددت الفعاليات المشتركة، فلم تكن منحصرة في نشاط واحد، وإنما تكاثرت وتعددت، وما زال إطار التخطيط مستمرا.
4 - يتميز الأستاذ خالد المالك بأنه صاحب مبادرات ودعم دائم لهذه الشراكة، وأما الدكتور إبراهيم التركي، فلم يكن مساهماً في الدعم فحسب، وإنما كان مشاركا بالرؤية والتخطيط والقرار في الشأن الثقافي والإعلامي، بل إن فعالية أخيرة ذات أهمية نوعية تتجه الجهتان لتنفيذها بدأت فكرتها من د. إبراهيم التركي، وبدأ النادي بالتخطيط لها، وأرجو أن يتم تنفيذها قريبا.
5 - تفاعلت الصحيفة بتميز ورُقي في شراكة النادي مع كرسي الجزيرة في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، وبجهود مميزة من د. نوال الحلوة، فقد استطاع النادي والكرسي تنفيذ (ملتقى المرأة والنص)، وذلك مع تعدد أوراقه ومجالات العمل فيه، حيث امتدت اجتماعاته طيلة شهرين، وشارك فيه باحثون مميزون عرب وسعوديون.
ويختم الوشمي حديثه عن الشراكة بقوله: لئن كانت شراكة النادي مع صحيفة الجزيرة مميزة في أطرها، فإن من ضمان الجودة فيها أنها تمت بإيمان مشترك، واستمرار منهجي فيها، وهذا يكشف لنا عن قيمة الشراكة وأثرها، ويضيء أسباب التفاوت في بعض الشراكات الأخرى، من حيث القوة أو التوقف أو عدم الانضباط، وذلك حين تحضر المسائل المادية بقوة، أو حين نبالغ في تقاسم الأدوار أو تغطية التكاليف، أو حين يتم الدخول في كل التفاصيل الشكلية، ويغيب الهدف الجوهري من أجل الشراكة، وتلك سلبية كبرى في بعض مشاهدنا الثقافية، حين ترتفع قيمة الإطار، وينخفض سلم النتيجة.