أول قصيدة في الديوان بعنوان (فاتحة النهر) تبدأ بعهد (لنتفق). وفحوى القصيدة تقول: نعم في الدنيا خواء ورماد, ولكن (ليس في كف الحياة سوى الحياة)؛ لأنها (وإن لبست رمادًا فالقادم جمر).
هذه الافتتاحية تبدأ بسوداوية تريد أن تقول: أنا واعٍ بما يجري وأعرف واقع الحياة، ولست أحلم, ولكني أعاهدك، أيها القارئ، بأن القادم سيكون جمرًا. ولا يعني الوعد الإحالة إلى الفرد (أحمد العلي) أو الشاعر فيه ولكنه قول يرفع راية الفأل، راية الشباب، راية الغد التي تَعِد بالمستقبل القادم الذي يتأجج من تحت الرماد, لكن ماذا يعني هذا الافتتاح بهذه الدلالات؟
ذلك يعني أن الشاعر منحاز إلى أن الفن يشارك، ويغير، ويؤجج، ويزيح الرماد؛ ليتوقد ويضيء، فالجمر هنا لا ليحرق وإنما ليفعل ويتفاعل.
إذًا هل مصادفة أن ثاني قصيدة في الديوان تحمل عنوانًا هو: (الشاعر)؟ من الواضح أنها وضعت هناك بعناية لتقول في مفتتحها إن لغة الشاعر حجرٌ قُدّ من ماء. وليتحقق للشاعر ذلك عليه أن يستمع منذ البداية إلى سلسلة وصايا أو فلنقل سلسلة دروس وتعليمات.
وبغض النظر من هو الحكيم أو الموصي هنا؟ ومن هذا الصوت الذي يدخل الآن ليلقى بيان الوصايا؟ لنتأمل هذه النصائح الافتتاحية للشاعر:
1- لا تهادن.
2- ليكن حرفك كامل التعب مثل حبة عرق أو وصية ميت.
3- عليك أن تجعل الورق طينًا في يدك.
4- عليك أن تبحث عن النقيض لا المتشابه.
5- عليك أن تعيد ما احترق.
وهذه وصايا تتناغم مع قصيدة (فاتحة النهر) التي افتتح بها الديوان ومع العهد المعلن السابق المذكور بأن يكون القادم جمرًا. ولكن أية وصايا هذه؟
هذا النوع من الاتفاق والافتتاحيات والوصايا يجعلنا نتساءل: أمن شأن الشعر والشاعر أن يلقي ببيان أو خطبة أو حتى مشروع انتخابي؟ وكأنما هو مثقل بمهمة خطيرة يعلنها لمن حوله كهوية أو بطاقة مرور. وقد يبرر ذلك أن الشاعر شاب يقدم أول أعماله وهو يحمل توترًا وقلقًا سأتوقف عنده لاحقًا، لكن هنا في سياق الحديث عن الوصايا وعن افتتاحية الشاعر أقول إنه من الواضح أنه يحمل هاجس الإعلان عن ما يعتقد أنه دور للشعر. وهو دور - كما يبدو- يتعدى الجانب الجمالي إلى الدور الوجودي في الكون؛ فهو يوقد الرماد، ويعيد ما احترق.
Rafeef2010@gmail.com
- الرياض