ماذا تفعل أيها الخليل الطيار بثلاثة آلاف كاميرا؟ ماذا تفعل بوعيك المجنون هذا!؟ لخصت كل ثقافتك وكتاباتك الجميلة بحلم غريب أحسدك عليه، حلم لا يعرفه سواك وسواي. أنت تملك ثروة أيها الخليل لم يعرف عنها أحد وبعيدة عن عيون مديريات الضرائب لو عرفوا ثمن ما تملك مادياً ومعنوياً.
أنت دفعت الضريبة المعنوية وهي أغلى بكثير من ضريبة المال.
كنت أتمنى لو كنت خارج الوطن العراقي تعيش مشرداً مثلي لاجئاً مثلي يخاف السفر باتجاه الوطن مثلي.. وتعلن عن معرض لم يسبقك فيه أحد أو ربما سبقوك ولكن ليس بهذا الحجم المهول من الكاميرات وبهذا النوع من العلامات السينمائية الفارقة.
الكاميرا الفوتوغرافية الصغيرة التي صور فيها الملك فيصل الأول هي الآن من مقتنياتك.
تاريخ تطور الكاميرات في العالم هو بين يديك.
شكل العدسات القديمة والحديثة هو بين يديك.
لو أُقيم معرض جوال في العالم لمقتنياك لضجت الصالة بالزائرين في أوربا، ولكن ماذا يعني وجود هذا الكم من الكاميرات القديمة والحديثة على مر الأزمان منذ أن ظهر في الصورة الثابتة وحتى كاميرات السينما بكل ماركاتها في صناديقها الفضية.
ماذا يعني في وطن هدم صالات السينما وهدم روح الثقافة ومعنويات الثقافة وفي المقدمة منها الثقافة البصرية والبصرية!؟ أين تخزن كل هذه الكاميرات الجميلة.
كانت قذائف الهاون وصواريخ الجراد تهز المدن العراقية وأنت تدفع بهذه الثروة نحو سراديب كربلاء والبصرة وبغداد.
عندما تشعر بمكامن الخطر تحار في اختيار المكان الآمن كي تنقذ هذه الثروة العظيمة التي حباها الله سبحانه إليك.
تحفظ تاريخ كل كاميرا ونوعها وعلاماتها المميزة في التصوير.
أحجام صغيرة أنيقة جميلة وكاميرات كبيرة خشبية وعدسات وأبعاد بؤرية.
أي عالم مدهش تملكه أيها الخليل.
وكيف كان كل هذا المزاج لتبحث في المتاحف وفي حوانيت الأنتيك وتبحث في بيوت الناس وفي سوق المقتنيات القديمة سوق الهرج، تحرم نفسك وأهلك من الخبز في فترات الحصار الاقتصادية ولا تبخل في أن تدفع ثمن أرغفة الخبز لشراء كاميرا نادرة.
حقاً من أين جمعت كل هذا العالم المدهش.
ولماذا لا تقيم بها المعارض.
مرت في حياتنا الثقافية بضعة معارض لكاميرات نادرة لا يتجاوز عددها المائة كاميرا فيما بين يديك ثلاثة آلاف و.. كاميرا.
أفترض أنك تريد أن تقيم معرضاً في الخليج أو في أوربا وأمريكا.
من يحمل كل تلك الكاميرات وبأية وسيلة نقل يتم نقلها ومن هي الشركة التي تقبل التأمين على هكذا ثروة ومن يدفع ثمن التأمين.
إن ما تملكه أيها السيد مجنون الوعي البصري يشبه قطع الآثار والرقم الأثرية السومرية لكنها رقم متنوعة الانتماء والصنعة.
يندر أن يُوجد مثيلُ لك في كل الدنيا يملك هذا القدر من الأدوات التاريخية والفريدة في الصنعة والعلامات الفارقة.
من خلال مقتنياتك يمكن دراسة تطور فن التصوير ومن خلالها يمكن دراسة مواد التصنيع ومن خلالها يمكن دراسة فن العدسات ومن خلالها نتذكر الأفلام العملاقة التي صورت في العالم.
هذا إضافة إلى العلامات الفارقة للكاميرا فإن حكاية كل كاميرا هي قصة يقف العالم أزاءها مدهوشاً، وهذا هو سر معرفة بيع بعض المقتنيات بالمزادات العلنية بأرقام خرافية لأن الكاميرا الفلانية صور بها همنغواي وتلك الكاميرا التقطت صورة لبارردوت وتلك الكاميرا كانت بين أنامل الملك فيصل الأول.
فتح لي خليل الطيار قلبه وفتح علب الكاميرات وكأنها مخرجة تواً من المصنع وهي قديمة في تاريخ إنتاجها.
أخرج لي كاميرا تشبه كاميرتي التي صورت فيها فيلم «بيوتنا الصغيرة» التي واجهت بها الجيش الإسرائيلي وهو يزحف نحو مدينة صور.
كانت كاميرتي تشبه البندقية في عدستها.
نعم في عدستها التي تطلق أربعاً وعشرين صورة في الثانية.
تطلق أربعاً وعشرين حقيقة في الثانية.
يرى صاحب الكاميرات الثلاثة آلاف كاميرا أو تزيد.. إنه لا يمتلك هذا العدد من الكاميرات كعدد إنما كل كاميرا قد أرخّت حقائق هامة.
ولولا هذه الكاميرات لما عرفنا أسرار الفضاء وعظمة الخلق.. ولولاها لما شاهدنا أعماق البحار والحيوات فيها.
إن هذه الكاميرات هي شواهد عصور.
إن الذين يحولون دون تسليط الضوء على الكاميرات يخافون من هذه الكاميرات أن تنطق يوماً لتحدث الناس عما رأته في عدساتها.
أما على المستوى التاريخي فإن تجميعها لم يكن اعتباطياً فإنني عملت على أن أتابع تاريخ كل كاميرا وانتمائها إلى جيل محدد من الكاميرات والتطورات التي تحصل على عملية الإنتاج التقنية سواء في الشكل أو في العلمية.
إن بحوزتي أجيالاً من الكاميرات التي توضح تاريخ تطور الكاميرا في علاقتها بتطور الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي.
الكاميرات ليست عدداً، مجرد عدد يبلغ الثلاثة آلاف أو يزيد، بل هي تاريخ ونوع وتطور.. أكتب هذا هنا في ثقافية الجزيرة عسى أن تبادر دولة تحترم الثقافة فتقيم معرضاً دولياً يليق بهذه المقتنيات أو لا أدري ربما ينتظر أحد الذين رزقهم الله المال أن يسدد خليل الطيار هدفاً في الملعب في فريق كرة القدم ليحقق هدف التعادل أو هدف الفوز بعد أن يخلص «الكورة» من بين أقدام أحد عشر لاعباً ويصرخ المذيع «كووول.. كووول - ضربة موفقة ضربة تاريخية ضربة بمكانها يحققها اللاعب خليل الطيار وبها تأهل الفريق لكأس العالم»، حينها يصبح خليل نجماً دولياً لا يا عزيزي خليل الطيار.
اخف كاميراتك عن عيون الحساد، وسجل في فريق لكرة القدم لأن ثقافة كرة القدم هي السائدة في عصرنا هذا وليست ثقافة الصورة وجمال الكاميرا ومخيلة المبدع.
فقط علينا أن نحرك مخيلتنا قليلاً ونتصور ماذا سيحصل لو أن معرضاً أُقيم في العالم لهذه الكاميرات ليس فقط أن خليل الطيار تمكن من جمعها، بل إنه جمعها في وطن كل أيامه حروباً تهز كيان البيوت فيما كل تلك الكاميرات ساكتة عما يجري في وطنها وهي مقفلة العدسات.. كانت.. ولا تزال!
sununu@ziggo.nl
هولندا