- الوهم يسحر أحيانًا، حتى من يأتي به ربما لم ينج من تأثير سحره، حتى إذا ران على قلبه ما يكسب أُعجب بما يأتي به ونسي حقيقته،فوهم أنه هو الحق وما دونه الباطل! بل حتى طالب الحق وصاحبه قد يختلط عليه الأمر ويلبس عليه الوهم لوهلةٍ، فيمر باضطراب اتزانٍ لا يلبث أن يزول، فيؤوب ويهدى إلى الحق، ويوفق إليه، ويُشَد على أزره في السعي له وإليه!
* ومن ملأ الوهم قلبه واطمأن إليه كان على أتم الاستعداد ليقف في وجه الحق.. أيًا كان هذا الحق.. وبلوغ المبلغ العجب في إنكاره وجحوده.. وبخاصةٍ حين تكون مصلحته معلقةً بالدجل والتدليس، وبقاؤه مرتهنًا بالإيهام والإبهام.. حتى إذا ضعف موقفه وكشف أمره بادر إلى اتهام كاشفيه بما فيه! بل نسبه إليهم أصالةً ورد جملة ما اقترفه لهم مباشرة..! وهذا مما يفيد أن الثابت المصر على وهمه في حالٍ مضطربةٍ غير متزنةٍ على الدوام.. بحيث لا يشكل عليه إطلاقًا أن ينسلخ من مبادئه ويعلن البراءة منها وينقلب إلى ضدها في أية لحظة.. وبالتالي فثباته ذاك وهم ثباتٍ كذلك ما لم يُعرِض عما هو عليه.. فحياته إما توهمٌ أو اتهامٌ!
* ومن تذوق طعم الحق والحقيقة فاستطعمه كره ما كان عليه - هو أو غيره!- من إقامةٍ على غيرهما.. وإن خسر ما كان يَهَمُه ربحًا في سابق عهده أو خسر أعظم منه، فلا ربح يعدل اتباع كلمة الحق..!
* هو واقعٌ مشاهد.. الثقافة الفرعونية بصورها المتعددة المتمددة.. تلقي بظلالها على كثيرٍ من شؤون الحياة.. ولربما هدي من تأمل فيها وفي تفاصيلها إلى ما في تكرارها وتكررها من حكم كائنةٍ كامنة!
* والفكر واحدٌ من هذه الشؤون.. يعتوره ما يعتورها.. وما كان أهله بدعًا من الخلق.. يجري عليهم ومنهم ما يجري على بقية الخلق ومنهم.. وهل قام شيءٌ أصلاً على غير فكرةٍ أيًا كانت حقيقة تلك الفكرة بدعةً أم بديعةً!؟
* والمسمون بالمفكر كثيرٌ، منهم المفكر حقًا والجهبذ اطلاعًا واستشرافًا وإن تباينت الرؤى معه وحوله، فليس هذا المحك والمقياس، ومنهم المتقلب تقلب الموهوم مع كل مفهوم! مع كل ميلةٍ للريح يميل! لا يتبع مساقط الأنواء قدر ما يتبع مساقط الأضواء! ومنهم عصبةُ لا تتقن إلا المجيء بالإفك مع زعم سداده وأن الخلاص فيه، وكثرة خوضٍ في مواطن لا قيمة لها ولا إقامة! يظن واحدهم إذا جاء بأحدها أنه أنكح الثريا سهيلاً، وما بَلَغ ولا بَلّغ! وإنما الحال قول القائل:
يحللون بزعمٍ منهمُ عقدًا
وبالذي وضعوه.. زادت العقدُ!
وبالغوا في كلامٍ.. بان زخرفه
يوهي العيون ولم تثبت.. له عمد!
* وربما أوتي واحدهم طرف علم بلسان أو غيره، فقصد أن يسحر أعين الناس، ويسترهبهم ويسترغبهم، ويستميلهم إلى تعظيمه وتعظيم ما عنده وإن لم يك عنده إلا ما يفتري من بين يديه! وما أكثر ما يقع من مثل هذا!
* وقد خاب من افترى ولا ريب في هذا المآل لكل مفترٍ! فضح باطن جهله إذ لم ينفع ولم ينتفع بظاهر علمه! فلا يحمد العلم في كل حالٍ، بل هو في مثل هذه المواضع وبالٌ على صاحبه شرٌ من الجهل! المكاسب الزائفة زائلة وإن ظن بها العظمة وطول العهد، فلا تلبث أن تسقط وراياتها ويعلم فسادها وإفسادها في يوم زينةٍ موعود!
* ما الكسب في مذهبٍ لا يرقى فلن يبقى! وما المجد في عِظَمٍ من عدمٍ فإنه إلى عدم! ولا عبرة بهشيمٍ تذروه الرياح وإن كثر حوله الصياح،ومن أعجب ما يرى كثرة المتطاحنين والمتطاعنين تحت «مظلة» الفضاء وفي «مظنة» الفناء! وليس في السبق أو السََّوق لشيءٍ من مثل هذا إلا الغُرْم وإن ظن الغُنْم..!
* ليس المدار ذم الاختلاف، ولا المسألة غمط المختلفين، ولا في تقبله من عدمه، الاختلاف سنة ماضية، عبثٌ السعي في مناوأتها أو السير عكس اتجاهها، على أنه كذلك درجاتٌ، منه ما يستحق الاحترام، ومنه ما يسحق الاحترام! فما أكثر ما يتحول اختلاقًا زعم اختلافًا! وعلى كلٍ.. فقبول كل شيءٍ كما هي مخالفة كل شيءٍ.. لا يفيدان بشيءٍ..! إنما الاختلاف والنظر فيه لما يختلف فيه.. لا لما لا يستحق التوقف عنده.. حيث لا إطراف ولا إتراف وإن اتفق أو اختلف!
* كما لا بأس في تفهم بعض ما يقع من التوهم، مما تقود إليه الطبائع وتعود إليه الفطر، بيد أن الإخلال يقع في الإخلاص لوهمٍ ما! فلا ينبغي أن نعتقد أننا لا نتوهج إلا بما نتوهم!
* العلاقة بين الملقي والملقى إليه هي الملقى نفسه.. فإما أن يلقف وإما أن يلفق..!
* يعرف الاندثار بأنه: «صيغة» «منتهى» «الجموع»..!
* الفكر تسطير لا أساطير!
الولايات المتحدة