عرفت الأستاذ الدكتور عبدالعزيز بن محمد الفيصل طالباً،حيث شرفت بالتتلمذ على يديه في مرحلتي الدكتوراه والماجستير،ونهلت من علمه واستفدت من منهجه في تحقيق التراث وتحديد المواقع الأثرية،واستمرت علاقتي بهذا العلم وأنا أدير اليوم دفة قسم الأدب الذي نسعد بالانتماء إليه في كلية اللغة العربية العريقة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
ما يعجبني في الدكتور عبدالعزيز ثباته على منهج محدد،واختياره لمسلك صعب،وهو مسار التحقيق والبحث في التراث فهذا الطريق يحتاج إلى ثباتٍ وقوة عزيمة،فالباحثون يتجنبون هذا الدرب لوعورته،إلا أن د. الفيصل استمر به منذ بداياته قبل عقود عندما كان طالباً مبتعثاً يدرس الدكتوراه والماجستير في جامعة الأزهر بمصر وحتى لحظات كتابة المقال،بل إنه يفاجئنا بين حين وآخر بمؤلفات جديدة تضيف للمكتبة العربية الشيء الكثير.
عبدالعزيز الفيصل بمؤلفاته الرصينة التي تربو على ثلاثين كتاباً،بداية بشعر القبائل العربية جمعاً وتحقيقاً ودراسة،ومروراً بقضايا الدرس الأدبي من نقد وتبيان أصولٍ والكشف عن مدلولها،وانتهاء بتحقيق المعلقات العشر وشرحها بأسلوبٍ أدبي جميل يستهوي العامة قبل المتخصصين.. هذه الأعمال بكل تفاصيلها لا مكان فيها للمجاملة أو التكرار فقد أخذ د. عبدالعزيز على عاتقه خدمة العلم بإخلاص وصدق،وهذا هو ديدن العالم الزاهد.
ما يشدني في نتاج الفيصل هو ربطه للأدب شعراً ونثراً بالأماكن والمواقع الأثرية فلم يسبق إلى هذا العمل الجليل،وكان لهذا التوجه الفضل في تصحيح الكثير من الأخطاء التي وقع فيها الباحثون والنقاد،فكل المواضع التي ترد في كتبه وقف عليها بنفسه فهو يحدد مساكن القبائل والشعراء ويرصد تنقلهم في شبه الجزيرة العربية بدقة الأمر الذي فسر لنا جملة من الظواهر التاريخية والأدبية العالقة،وقد لقي هذا العمل الجبار تقدير الجهات المختصة حيث سعدت بحضور حفل تكريم الجمعية السعودية للدراسات الأثرية بجامعة الملك سعود والنادي الأدبي بالرياض مؤخراً،للدكتور عبدالعزيز الفيصل وما صاحب ذلك من عقد ندوات عنه وطباعة ثلاثة إصدارات بمناسبة تكريمه حيث لُقب (برائد تحقيق الشعر الإسلامي والقديم في شبه الجزيرة العربية) تمنياتي لأستاذي الفاضل بمزيد من التوفيق في حياته العلمية.
وبعيداً عن العلم والمعرفة فإن أكثر ما يشدك في د. الفيصل هو إنسانيته البيضاء واحترامه للجميع.. طلاباً وأساتذة.. ولذا فهو محبوب من الجميع.. ومحب للجميع.. كما أن هدوءه وسمته ووقاره تشعرك بأنه والد للجميع.. وهنا يحقق د. الفيصل معادلة مهمة ومصيرية قلما تجتمع لأستاذ. وهي عمق المعرفة وعمق الإنسان.
رئيس قسم الأدب في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - نائب رئيس مجلس إدارة النادي الأدبي بالرياض