في سماء الوطن نماذج لعلو الهمة ومجالدة الحياة، وتجاوز العقبات، وبناء الذات، ووضع الأهداف والغايات، والسعي إلى تحقيقها في انضباط زمني ومنهج يومي، والتزام عملي، ومن أولئك الصديق الدكتور عبدالعزيز الفيصل، الرجل العصامي الذي أراد الله له أن يبذل حياته في سبيل العلم وينتقل من كتاب إلى كتاب ومن مقال إلى مقال ومن مؤلف إلى مؤلف، ويسيح في الأرض من مكان إلى مكان وهو يتأمل ويبحث ويدون؛ فالدكتور عبدالعزيز رجل سياحي عمل بقول الله {قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ}، وقد زارني في تبوك وهو ينتقل في عالم الأنساب من قبيلة إلى قبيلة ومن إقليم إلى إقليم؛ فالرجل ذو علم بالقبائل العربية لا سيما النجدية منها وربما دفعه إلى ذلك إبحاره في عالم الشعر الجاهلي والإسلامي وكل شعر قديم، فهو من أولئك المحققين الذين استخرجوا المخطوطات الشعرية للقبائل وهو الذي جمع أشعار عدد من القبائل العربية القديمة مثل أشعار بني عقيل القبيلة العربية التي كونت دولة لها في الموصل في القرن السادس الهجري وهو عالم بالعقيلات ورحلاتهم وأشعار القشيريين فهو الذي نهج نهْج اللغويين الأسلاف الذين جمعوا شعر الأفراد والقبائل ولكن أكثره ضاع فأعاد الدكتور عبدالعزيز الفيصل الكثير منه.
والدكتور الفيصل رجل ناقد وله مؤلفاته النقدية في الاتجاهات القديمة والحديثة وهو أستاذ الأدب القديم في الدراسات العليا.
والفيصل خبير ناقد في عالم الشعر والوقوف على النصوص والولوج إلى أعماقها وهو يعايشها على واقعيتها في زمن إبداعها فهو خبير بالحياة العربية وخبير بحياة الصحراء، والأودية والجبال والمفاوز وهو متأمل في الحياة الحيوانية في الجزيرة يعرف خصائص وحوشها المفترسة ويدرك معالم جمال ظباها والمهاة، وهو عالم بأحوال الإبل والخيل.
وهذه المعارف أهلته ليكشف عن الحياة العربية من خلال الشعر الجاهلي ويذهل طلابه حين يستنطق البيت الشعري والقصيدة الشعرية بل حين يقف على المعلقات ويتدرج في لغتها، وأفكارها والأوصاف للحياة العربية بكل ألوانها وأطيافها.
إنك حين تحادث الدكتور الفيصل تنهل من رجل موسوعي المعارف متعدد المشارب ينقلك من روض إلى روض وتارة يدعوك إلى الأعماق والأغوار. وليت الطلاب يسجلون لنا منهجه اليوم منذ طفولته وكيف تعامل مع أمهات الكتب والموسوعات، ويستدرجونه إلى تسجيل ما لم يسجله ويدونه في رسائل جامعية.
طالت صحبتي له لأكثر من عشرين عاما وكل ما حادثته أو صحبته في رحلاته أو تحاورت معه في معالم الحياة وجدت الرجل يفيض بعلم غزير ووعي بالحياة قديمها وحديثها، وإنني أسجل له زهده في الحياة فهو ذو معارف كثيرة وأسرته لها مكانتها لكنه لم يوظف ذلك لمصالح مادية أو يبني من خلالها جاهاًـ إن جاهه في ميادين العلم وردهات القاعات، وأعرض عما عداها ولعل الله يجعل مسيرته العلمية أجراً ومثوبة.
* رئيس النادي الأدبي في تبوك - سابقاً