يخلط كثير من المحدثين بين أقسام الكلِم وأقسام الكلام؛ إذ تجدهم يطلقون المصطلح الثاني وهم يريدون الأول، أي يريدون ما ينقسم إلى اسم وفعل وحرف، ومن أمثلة هؤلاء فاضل الساقي الذي كتب رسالته وطبعت في كتاب عنوانه «أقسام الكلام العربي»، وهو متابع في ذلك أستاذه تمام حسان- رحمه الله- الذي قال في كتابه العربية معناها ومبناها «وهذه المباني أبواب الكلم, وقد سماها النحاة: أقسام الكلام أو ما يتألف منه الكلام»، وأما سيبويه ومن تابعه من النحويين المحققين ففرقوا بين الكلم والكلام، فجعلوا (الكلم) للكمّ وجعلوا (الكلام) للكيف، فالكلم عندهم هو اسم جنس جمعي واحده كلمة، أما الكلام فما أفاد من مؤتلف الكلم فصار جملة، ولذا نجد سيبويه افتتح كتابه بقوله «هذا بابُ علْم ما الكَلِمُ من العربية»(1)، وقد أحسن ابن جني بيان مراد سيبويه، قال «فاختار الكلِم على الكلام؛ وذلك أن الكلام اسم من كَلّم بمنزلة السلام من سلّم، وهما بمعنى التكليم والتسليم، وهما المصدران الجاريان على كلّم وسلّم قال الله سبحانه {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}[النساء-164] وقال عزّ اسمه{ صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب-56] فلما كان الكلام مصدرًا يصلح لما يصلح له الجنس ولا يختصّ بالعدد دون غيره عَدَل عنه إلى الكلم الذي هو جمع كلمة بمنزلة سلِمة وسلِم ونبِقة ونبِق وثِفنة وثفِن وذلك أنه أراد تفسير ثلاثة أشياء مخصوصة وهي الاسم والفعل والحرف فجاء بما يخص الجمع وهو الكلم وترك ما لايخصّ الجمع وهو الكلام فكان ذلك أليق بمعناه وأوفق لمراده»(2)، ومن القدماء من تساهل فاستعمل الكلام وهو يريد الكلم، ومن هؤلاء الزجاجي(3)، وابن فارس(4)، وقال الفارسي «فما جاز الإخبار عنه من هذه الكلم فهو اسم»(5)، ومع هذا التصريح لم يسلم من تحامل ابن الطراوة عليه(6)، الذي نجد لديه بيانًا واضحًا للفرق بين القسمين، قال «إنما ينقسم الكلام إلى ثلاثة: الدعاء، والسؤال، والخبر»(7). وقال السيوطي «اختلف الناس في أقسام الكلام؛ فالحذاق من النحاة وغيرهم وأهل البيان قاطبة على انحصاره في الخبر والإنشاء، وقال كثيرون: أقسامه ثلاثة: خبر، وطلب، وإنشاء»(8). ويتردد في كتب النحويين قولهم: الكلم القول المركب من ثلاث كلمات فصاعدًا أفاد أم لا(9). والأولى عندي القول إنَّ (الكلم) ما عدته ثلاث كلمات فأكثر تركب أم لم يتركب، وأما (الكلام) فما تركب من كلمتين فأكثر، وعلى هذاأقسام الكلم أنواع الكلمات وهي الاسم والفعل والحرف، وأقسام الكلام أنواع الجمل وهي الخبرية والطلبية والإنشائية.
***
(1) سيبويه، الكتاب، 1: 12.
(2) ابن جني، الخصائص،1: 25.
(3) الزجاجي، الجمل، ص1.
(4) ابن فارس الصاحبي، ص48.
(5) الفارسي، الإيضاح العضدي بتحقيق فرهود، ص52.
(6) ابن الطراوة، الإفصاح ببعض ما جاء من الخطأ في الإيضاح، ص17.
(7) ابن الطراوة، الإفصاح، ص18- 19.
(8) السيوطي، همع الهوامع بتحقيق مكرم، 1: 34.
- الرياض