لا يريد الأستاذ عبدالمحسن الحقيل أن يشتكى من حيف ألمّ به؛ ولكن حُقّ له أن يشتكي من حيف ألمّ بأبنائه الطلاب، وابننا عبدالمحسن شاعر مرهف، رقيق حواشي اللفظ، يزاول التعليم بعد أن أتقن التعلّم في جامعة الملك سعود، ولست أنسى كيف ردّني بأدب ولطف إلى ما انسقت فيه من خطأ، ثم إني قرأت له ما كتبه في المجلة الثقافية (الخميس 15, جمادى الآخرة 1434 العدد 404) فأعجبني هذا الهدوء الذي يسوق به العتاب، وهو يفصح عن ألم ومرارة شديدة يجدها وهو يعلم مهارات اللغة في بيئة لا تتيح لهذه المهارات أن تنال نصيبها من الوقت تعلمًا وتدربًا، وهذه آفة التعليم عندنا، كمٌّ يجور على الكيف، يقول الأستاذ عبد المحسن «نمضي الفصل الدراسي نحدث الطلاب عن المركبات وأنواعها، ثم في عالم الرياضة والألعاب، وبعدها عالم الطيور والحشرات، وأخيرًا المهن والحرف، وهذا وربك مقرر الصف الرابع الابتدائي، وهذه الثرثرة المعرفية العامة تحتل مكانًا لتضيق الخناق على مهارات اللغة العربية، لنجد أنفسنا أمام أربع وظائف نحوية، وأربع وظائف إملائية فقط لا غير!! أحقا هذا هو مقرر اللغة العربية؟!»، كيف جارت تلك الثقافة أنى كانت أهميتها على مهارات اللغة وعلومها، وليس بغريب إذن أن تتوالى الأجيال لا يعرفون من أمور لغتهم شيئًا مذكورًا. ثم إن الأستاذ عبد المحسن يشرح أمر تلك النصوص التي تقحم في أذهان أبنائنا إقحامًا، وهو يحس بغير قليل من السخط على تلك النصوص وما حوت، يقول «اسمح لنا أن نناقش المقررات وما حوت من هذه الثقافة العامة التي فُضّلت على مهارات اللغة العربية، ولنتأمل معكم إن كانت ذات جدوى أو خير أو فضل.
في مقرر الصف الرابع دماء وإصابات وجراح تقدم على طبق من قسوة لأطفال في العاشرة من عمرهم فهل يصح هذا؟!»، ثم يسرد، بتفصيل، كثيرًا من المشاهد التي لا تروق للكبار بله الصغار، وإني لآسى لهؤلاء الصغار الذين تنحر طفولتهم مرات ومرات؛ فهم في المدرسة يجبرون على قراءة وشهادة ما يفزع القلوب، وتشيب له الرؤوس، وهم يتعرضون في بيوتهم لقنوات ملئت بأفلام مصاصي الدماء والقتلة، هذا غير أخبار الدنيا التي لا ينتقى منها إلا مشاهد إبادة الإنسان للإنسان. ويشير الأستاذ بحصافة إلى مستوى اللغة التي يخاطب بها الصغار؛ فهي مختلفة عن لغة الكبار بعض الاختلاف، ومهما يكن الموضوع جليلاً وأسلوبه جميلاً فإن من الخلل إن يوجه إلى غير أهله، وكما بدأ أنهى كلامه بخاتمة هادئة مجملة لأغراضها، قال «سيدي صاحب المعالي..لست أكثرَ من معلم غيور على أبنائه، حريص على نفعهم، مؤمن بمهام عمله، وهنا أقسم أمام الله ثم أمامكم أن هذا لا يناسب براءة الصغار، ولا يتماشى مع وعي الناشئة، ولا يصح عرضه لهم، فإن رأيتني مصيبًا فالبدار البدار، وكما غيّرتم المقررات الطيبة الذكر وأحللتم هذه مكانها ارحموا عقولنا وقلوبنا، وغيروا هذه، وهبونا خيرًا منها، لا حرمكم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة، وإن رأيتني مخطئًا جاهلاً فالعذر كل العذر لحماستي التي يسوقها حبي لصغاري من جهة وإيماني بمنجزكم من جهة ثانية.»
هذه صرخة أستاذ قدير ونذير حصيف عسى أن تلقى أذنًا واعية تستفيد من مثله تجربة ومعرفة.
الرياض