ما هو السر الذي يختبئ بين ثنايا السفر؟ ومالذي يحدث لأرواحنا عند عتبات المطارات؟
سؤال طفولي أعرف وأعترف .. ولكنه بقدر ما يمر مروراً عابراً في الذهن بقدر ما هو سؤال يلازمني كثيراً في الآونة الأخيرة رغم أنه يفصلني عن الطفولة سنوات كثيرة وأيام تزدحم فيها الذكريات والكثير الكثير من السعادة والتعب، والتعب والسعادة.
ألم تصغر الفجوة وأضحى العالم قرية صغيرة أو غرفة صغيرة كما يقولون بل حتى أضحى تطبيقاً مجانياً في هواتفنا! فكيف إذاً لا زالت بعض المدن تختطف أنفاسنا وبعضها تخنقها! كيف تنقض علينا الدهشة بمجرد هبوط الطائرة في مدينة ما رغم أن في خطة كل رحلة نزور الصور والأماكن افتراضياً و نقرر أي الطرقات سنمر بها وأي قهوة سنحتسي!
لماذا نعشق مدناً ونعاتب أخرى، لماذا نحِنّ لروح إحداها ونخاف من حتى ذكر اسم أخرى ،و الأصعب أن نعلم يقيناً بأن الأنين الذي يصل مسامعنا فجأة في وسط ازدحام هو أنين مدينة نقطعها ذهاباً وإياباً! و نشك كل الشك في ما نسمعه من ضحكات.
هل المدن بناسها أم بشوارعها وشواطئها وأزقتها القديمة.. و التاريخ ومايختزله في ركن ما أ له يد هو الآخر في مانشعربه وما تضج به روح المدينة.ما أعرفه لا أفهمه، وما أظنني أفهمه لا أعرفه! ليست أحجية ولا أبحث عن إجابة. كل ما هنالك أن كتف الطائرة لا يتكلم لذا يمنحني الكثير من الوقت لأتقن التوقعات!
رفيقتي التي اقتسمت معها صباحات جامعية في قلب (عليشة)* هي نفسها التي اقتسمت معها شاطئا مجنونا في الجنوب الإنجليزي، لديها ذات اللهجة النجدية التي أملك ولدي ذات الذاكرة السينمائية لوداع في محطة قطار (بالأبيض والأسود) كما تملك! نعم ودعتها نهاية اليوم الذي جمعنا في محطة القطار وكلانا تضحك سراً وتهمس في قلبها شاهدنا هذا المشهد يوماً ما في التلفاز في إحدى أيام الشمس في الرياض. أيامنا المميزة في الجامعة بالرياض كانت (سفر) ويومنا هنا في أرض الإنجليز كان (سفر) ..
باقة ورد صغيرة خبأتها للحظة الأخيرة مضت بها نحو (أكسفورد) و دست في يدي في آخر لحظة مغلف ذهبي وأغلق القطار أبوابه، لأعود لمدينتي أو لأعود لمدينتهم وأكتشف أن في المغلف صوت نغم عود شرقي إحدى مقطوعاته (يا رايح صوب بلادي)..
عجيب عجيب أن البحر ذاته ولكن السواحل مختلفة.
* الحي الذي تسكن فيه جامعة الملك سعود للبنات في الرياض.
kimmortality@gmail.com - بريطانيا