القصيدة لدى الشاعر منصور دماس مذكور تأخذ همّ الأمة، وتحرك في الذائقة الولع في اقتفاء تفاصيل التفاصيل، حتى تسري مع عبق فاتن للشعر، يأخذك نحو معاني الحياة الرحبة.
في الديوان الجديد «نفسي الفداء» يستطيب الشاعر دماس بعض القصائد، ويستطرفها ليقدمها بهذه الإضمامة الجميلة من عبق الشعر ليكون المدخل أو القصيدة الفاتحة للديوان إيماناً بسيد الأمة ورسولها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، تليه بارقة عفوية من سوانح الشعر الذي يقف مع هموم الناس ومصائبهم، وقصائد أُخَر تستطلع حجم الفرح وتسبر عمق الوفاء على نحو صدى إخواني وإيماء شعري جميل إلى قصيدة الأديب الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي.
في القصائد شجن عفي، وخاطر إنساني، وهاجس شعري لا بد له إلا أن يقف على حواف التوجس؛ ليصف لنا مآل الشعر في زمن اللا شعر، ومن يهجو كمن لا يهجو؛ إذ يتساوى في الأمر القصيد:
«فأرفع يد الهاجي
مقاما.. قل له:
أنت الحياة
ولا حياة لمن
مدح..»
يبحر الشاعر منصور دماس في ديوانه فلا يترك شاردة الشعر تنز، أو تهرب، إنما يستجلبها بروح شعرية ملهمة، تخرج النص من مأزقه الزماني القاسي؛ ليتألق الوصف كما في قصيدة «تنبيه»، فيحمل شعلة الوفاء للجمال، والبحث عن إسقاط دلالي يؤكد المعنيين، القريب والبعيد، في جمال شكلي وآخر روحي يتسيدان الخطاب، ويُكَوِّنان وعيه العام مصاغاً بلغة شعرية جميلة، ومفردة مناسبة، يجدل منها الشاعر أبعاداً جمالية مورقة في جاذبيتها وعذب نشيدها.
كما يميل الشاعر دماس في قصائد الديوان إلى أسلوب الانتقاد والنصح بطريقة سلسة وأنيقة، وإن انتقد الواقع فلن يقسو عليه؛ لأنه يدرك أن الحياة في تبدل، والزمن في تحوُّل، والدنيا شابها ما شابها من مغريات، فلا شيء غير الشعر يمكن أن يسهم في التقويم والنصح.
ومزية النصح هنا في هذا الديوان لا تدخل في قاموس الوعظ الثقيل إنما هو أسلوب شعري مغلف بود وعتب على من يخرج عن تقاليد الحياة، ويقصر في واجبات الخالق والخلق، فينثر من عبق الشعر ما يكفل للفكرة أن تصل إلى هدفها دون إطالة أو وعظ مباشر.
إذاً، الفكرة لدى الشاعر دماس تنهض بعد الوصف والنصح؛ ليصبح المراد من القصيدة هدفاً معروفاً، لا يقبل التخمين أو الحدس، أو الكثير من الجدل حول ما يريده الشاعر، أو ما لا يريد؛ فالمشهد الشعري لديه مبطن بلغة سهلة وبأسلوب مهادن، يحقق معادلة المتعة والفائدة في تلك الأبيات المفعمة بحيرة الإنسان الممتلك للوعي.
لا يدخر الشاعر أي فكرة إلا ويطرحها؛ ليبني في القصيدة تلو الأخرى قيم الذات التي تتوق للحياة، وتقاوم الظلم، وترفض الأذى وخدش الحياء، ومقاومة صعاب الحياة على نحو لا يخلو من طرافة ودعابة:
«تسري به في جنوح الليل أخيلة
وفي الصباح تهاويم ابن زيدون
بعض الوجوه بحب المال قاحلة
وبعضها لا يعي كل المضامين»
اللغة في هذا الديوان جاءت سهلة وطيعة وغير متكلفة، تصل إلى المعنى بطريقة مباشرة؛ ما يعزز اكتمال القصيدة وحضورها من حيث الشكل والمضمون الذي سعى إليه الشاعر، وأجاد فيه، حتى صاغ لنا هذا الخطاب الإنساني المفعم في عفويته ورقته وذهابه للمعاني الجميلة للحياة، فالشاعر هنا لا ينشد مجد القصيدة بقدر ما يَجِدُّ في طلب مجد الحقيقة والوعي.
يبقى أن نشير إلى أن الطابع العام في هذا الديوان الرشيق للشاعر دماس يميل إلى الحزن والسوداوية، رغم محاولاته استعادة بعض الصور الجميلة في وصف يوم عيد وذكريات محاسن غاربة في الوجدان الذي يستعيدها خاطرة البوح بمكنون يسكن الوجدان، فلا يخرجه إلا جنون الشعر وهياجه.
***
إشارة:
* نفسي الفداء (شعر)
* منصور دماس مذكور
* دار الكفاح - الدمام - (ط1) 1433هـ
* يقع الديوان في نحو (106 صفحات) من القطع العادي.