ينحصر ما كتبته الدكتورة سعاد المانع، من أبحاث نقدية أدبية، أو يكاد، في اتجاهات ثلاثة: أولها يختص بوصف صورة المرأة التي تصنعها الثقافة والأدب وشرحها وتحليلها و يشمل هذا الاتجاه الأبحاث التالية:
1- المرأة في كتب الجاحظ ، ضمن كتاب: ثمرات الامتنان دراسات أدبية ولغوية، مهداة إلى الأستاذ الدكتور حسين نصار، إعداد: د. عادل سليمان جمال (القاهرة: مكتبة الخانجي، 1422هـ/ 2002م) ص ص 286-315. وفي الهامش رقم (1) إشارة إلى أن هذا البحث قُدم إلى مؤتمر (الدراسات حول الأدب العباسي) الذي عقد في جامعة ST. Andrews في بريطانيا، يوليو 1993م.
2- الشعر والنقد والمرأة: دراسات لسمات المرأة المعنوية في الشعر العربي القديم وفي التنظيرات النقدية (القاهرة، مجلة فصول، م13، ع3، خريف 1994) ص ص 317-338.
3- المثل العليا وصورة المرأة في «قصص العرب القديم» (مجلة النص الجديد، العددان الثالث والرابع، ذو القعدة 1415هـ/ مايو 1995م) ص ص 65-80.
4- الشعر الغزلي عند ابن لعبون، ضمن مجموعة أبحاث «ملتقى ابن لعبون» (الكويت: مؤسسة البابطين، 1997) ص ص179-237.
5- هل تحمل الثقافة العربية صورة واحدة للمرأة؟ ( نادي جدة الأدبي، مجلة علامات، ج39، مج 10، ذو الحجة 1421هـ/ مارس 2001م) ص ص 324-334.
6- المرأة في شعر المرأة: في التجربة الشعرية النسوية في الإمارات (بحث مخطوط مقدم لندوة ملتقى الإمارت الشعري، اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، فبراير، 2005).
والثاني يكشف عن السمات الخاصة بكتابة المرأة بما يفرقها عن كتابة الرجل أو يجمعها بها ( ويمثل على هذا الاتجاه البحثان التاليان:
1- كتابة المرأة: القصة وهواجس المرأة (نادي الرياض الأدبي، مجلة قوافل، السنة 2، العدد4، رمضان 1415هـ/ 1995م) ص ص 20-49.
2- القصة القصيرة وتطورها في كتابة المرأة السعودية، بحث منشور ضمن كتاب: مسيرة المرأة السعودية والتنمية في مائة عام (الرياض: جامعة الملك سعود، مركز الدراسات الجامعية للبنات،2002) ص ص 125-157).
والثالث نقد النقد النسوي العربي (وفيه بحثان:
1- المرأة في الذهن العربي و «الكتابة ضد الكتابة» (الرياض: نادي الرياض الأدبي، مجلة قوافل، س1، ع1، شوال 1413هـ/ 1993م) ص ص 189-215.
2- النقد الأدبي النسوي في الغرب وانعاكاساته في النقد الأدبي المعاصر (المجلة العربية للثقافة، س17، ع32، ذو القعدة 1417هـ/ مارس (آذار) 1997) ص ص72-109).
وهذه وجهات ثلاث ينقسم عليها –إجمالاً- جهد النظرية النسوية والكتابات النقدية المنتسبة إليها. لكن هذه الوجهات التي توحِّد الجهد النقدي لسعاد المانع تحت لافتة النقد النسوي، توحِّده أيضاً –بالقدر نفسه- في الانتساب إلى سعاد المانع نفسها.
لقد كان التحيز ضد المرأة همّاً عاماً في أبحاث سعاد المانع، وهو همٌّ تنشط له عبر استراتيجية المقاومة للهيمنة. فلئن كانت هيمنة الرجل على المرأة وحلولها في موقع الهامش وفي منزلة سفلى بالنسبة إليه هي مادة النظرية النسوية ونشاطها النقدي، فإن الهيمنة بكل أشكالها موضوع وثيق الصلة بالنظرية النسوية. ولدى سعاد المانع، تغدو هيمنة المقولات النسوية ذاتها مادة للبحث والاكتشاف والمساءلة. وهو المنشط النقدي لديها الذي يتصل ولا ينفصل عن استقصائها للمتن الثقافي باحثة عن تجليات التحيّز ضد المرأة وأمثلته ولكن بالقدر نفسه تجليات الإنصاف لنماذج فردية من النساء فليس التحيّز ضد المرأة وحده –لدى سعاد المانع- مادة الاشتغال النسوي.
***
وإذا كان المنزع الإيديولوجي بارزاً في النقد النسوي، بالمعنى الذي يعاين الإيديولوجيا بوصفها فكرة مغلقة في مقابل المعرفة، والفكرة المغلقة هنا هي الاضطهاد والقمع الذكوري المسلَّط على المرأة والعمل على إزاحته، وقد نفهم وصف رامان سلدن للناقدة النسوية الشهيرة هيلين سكسو من هذه الزاوية تحديداً حين قال: «إن منهج سكسو منهج رؤيوي يتخيل لغة ممكنة أكثر مما يصف لغة موجودة» فإن هذا مطعن في معرفية هذا النقد، لأن الإيديولوجيا دوماً مضلِّلة معرفياً. ولهذا فإن التأسيس المعرفي يقاوم تسيُّد الإيديولوجيا وتضليلها. وفي هذا المورد تبدو سمة واضحة للنقد النسوي لدى سعاد المانع.
وأبرز ما يمكن الاستدلال به في هذا الصدد مقاومة سعاد المانع للتعميم والشمول والإجمال. تقول: «إن الذي يهيمن هنا (=في النقد النسوي) هو الفكرة حول اتفاق كل لغات العالم وكل ثقافات العالم لتكون ضد المرأة». وترى في مقابل ذلك أن هناك تفاوتاً في الموقف من المرأة بين بيئة وبيئة، وتقول: «وحتى إذا ما افترضنا اتفاق الثقافات على عداء المرأة، واتفاق اللغات على التحيّز ضد المرأة، ألا يستدعي الأمر النظر في خصوصيات كل ثقافة؟ ألا تكون هناك صنوف مختلفة لجوانب العداء في الثقافة واللغة تتفاوت من ثقافة إلى أخرى وتتفاوت من لغة إلى أخرى. ألا تستحق الثقافة العربية واللغة العربية استقراء لما هو موجود فيها وتأملاً فيه مع ربطه بالإطار الاجتماعي والزمني التاريخي الذي أحاط به عند إنتاجه».
لهذا بدا في ممارستها النقدية التحاشي للتقويم، فهي تدرس وتكشف وتحلِّل صورة المرأة في بعض أبحاثها من دون أن تضفي قيمة تعلو ببعض الصور على بعضها الآخر. ولنقرأ –مثلاً- ما تعلنه في مفتتح دراستها التي تناولت فيها صورة المرأة في متن شعري محدد من أشعار النساء، حين تقول: «ولن يكون ضمن الدراسة هنا وضع معايير للشاعرات كأن توضع قيمة أعلى لشعر الشاعرة لكونها تتسم بالجرأة في طرح تجارب لا تتقبل التقاليد الاجتماعية من المرأة طرحها، ولا العكس كأن توضع قيمة أعلى لشعر الشاعرة لكونها حريصة على الالتزام بالتقاليد الاجتماعية وعدم المساس بها في الشعر. هنا البحث في الشعر لا يمس المواقف الاجتماعية أو الأخلاقية، وإنما يهتم بتقديم هذه الصور دون تحيّز ضدها أو معها».
وبالطبع فإن القيمة الأدبية هي قيمة جمالية فنية، والقيمة المنهجية في الفعل النقدي هي قيمة معرفية، أما القيمة النسوية فهي قيمة من زاوية الموضوع ومن زاوية الرؤية إليه في وقت معاً. وقد ظلّت الأسئلة المعرفية تجاه النقد النسوي لدى سعاد المانع ملحّة على تحرير الموقف النقدي النسوي وتعميقه بالمؤدى المعرفي، فهي تسأل: «هل مهمة النقد الأدبي النسوي هو مجرد الالتزام بقضية الدفاع عن المرأة؟ وهل تؤخذ الأحكام على الأدب من مجرد هذا الالتزام؟ وهل تصوير النساء في الأدب بصورة متحيزة كان له أثر في الواقع على رؤية النساء لأنفسهن كما رأت غوبار وغليبرت في كتابهما «المجنونة في العليَّة»؟ وهل تصوير أية امرأة في الأدب على أنها سيئة يؤخذ على أنه يعزز إيديولوجية كراهية المرأة؟ وإذا كان علينا أن نختزل الأدب الذي تصوَّر فيه النساء على أن يكن نساء جيدات في مفهوم الناقدة النسوية فكيف يمكن أن يتفق هذا مع حقيقة النساء؟».
وتذهب إلى الاستدلال برأي شكري عياد الذي ينفي القيمة الأدبية عن الأدب من زاوية التمييز بين ما تكتبه المرأة وتمثل فيه خصائصها الأنثوية وما يكتبه الرجل «فالأدب الذي تكتبه المرأة حين يظهر فيه انعكاس لوعي المرأة تجاه وضع معيَّن يمسُّها أو تبدو فيه حساسيتها تجاه موقف ما، فإن هذا يمكن أن يستفيد منه الباحثون الاجتماعيون والمعنيون بقضية المرأة فائدة عظيمة، لكنه لا يحقق قيمة على المستوى الأدبي مالم يتجاوز الانعكاس والحساسية إلى ما هو أكثر مساساً بجوهر الأدب».
***
هذا الموقف المعرفي والأدبي الذي وقفته سعاد المانع، قادها إلى تفكيك الموقف المتحيز ضد المرأة ونقضه بأكثر من معنى. ويجب أن نسجِّل هنا اتساع المساحة التي استوعبتها جهود المانع في تأمل الموقف من المرأة ومطالعة متون متنوعة في صيغها وسياقاتها وأزمانها. وأول ما تؤكده المانع في هذا الصدد هو تعدد صور المرأة واختلافها وتناقضها بين العصور وفي العصر الواحد بل لدى الشاعر أو المؤلف الواحد. ومؤدَّى ذلك لا ينقض، فحسب، التعميم السائد في وجهة النقد النسوي، بل ينقض الصور والمواقف المتحيزة ضد المرأة لأنه يحيلها من الصفة العامة في الطبيعي إلى الصفة المتغيرة والحادثة والمتنوعة في الثقافي.
- الرياض