حلّت ليبيا كضيف شرف على معرض القاهرة الدولي للكتاب، هذا ما قرأته في الصحف العربية، فأنا لم أزر معرض القاهرة للكتاب في أيّ من دوراته، غير أني ابتهجتُ بهذا الخبر المتميز من نواح عدة.. فحضور الناشرين محملين بالكتب من أنحاء العالم إلى مصر في هذه الأوقات المرتبكة هناك، ونجاح انطلاقة المعرض بفتح أبوابه للزوار بعد تأجيله عامين متتاليين ليس بالأمر العاديّ ولا السهل في هذه الظروف التي دفعت القائمين على المعرض للتأمين عليه بمبلغ مئة مليون جنيه (ما يعادل 15 مليون دولار) تحسباً لوقوع أي مشاكل تسبب أضراراً على الناشرين وكتبهم.. وهذا يحدث للمرة الأولى في تاريخ معارض الكتب في مصر، كما أنّ تسمية (ليبيا) ضيفَ شرف المعرض أمرٌ استثنائيٌّ آخر.. فليبيا لم يسبق لها حتى مجرد المشاركة بالحضور في أي معرض دولي للكتاب طيلة العقود التي احتجبت فيها قسراً عن كل ما يتلاقى بثقافة العالم ككل والعالم العربي تحديداً..

وفي مقالتي المنشورة هنا في (الجزيرة الثقافية) بتاريخ 6 ديسمبر 2012 وعنوانها (تحية لخلود الفلاح) كنتُ أهنئ الصحافية الشابة على خطوتها الموفقة في دفع بلادها – المخضبة أرصفتها بالدماء - على مصافحة ثقافات العالم وإبداعاته، ولو على نطاق أنثوي، من خلال الملتقى الذي أقامته في مدينة بنغازي الليبية (26 – 29 نوفمبر 2012) للمبدعات العربيات.. وكنتُ أحثُّ بمقالتي تلك على مزيد من الخطوات ليس من داخل ليبيا فقط بل من عواصم العالم العربي ومراكزه الثقافية كلها، فعليها وعلى مثقفيها تقع مسؤولية الأخذ بالثقافة والمثقفين الليبيين وتعريفنا بهم، فهم كثرٌ كما أظن ولكنّ حجاباً من الدكتاتورية والتسلُّط كان يعزلهم عنا ويعزلنا عنهم..

هذه الخطوة الكبيرة التي جاءت الآن من المنظمين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والأربعين المقامة أخيراً لمدة أسبوعين من 23 يناير إلى 5 فبراير 2013 تساهم بدفع الحركة الثقافية المتوارية في ليبيا إلى الظهور بشكل نتمنى أن ينجح في مصر كما نتمنى أن يتكرر في عدد من معارض الكتب الدولية (العربية) الأخرى، فكما هو معروف أن ليبيا لم تتح لها أي فرصة للمشاركة في أي محفل من محافل الثقافة العربية عدا بعض الأسماء، وهي قليلة جداً، يتم أحياناً تكريسها أو إبرازها على نحو ما، بصورة خاصة ولأسباب ليست ثقافية أو أدبية إبداعية متفوّقة على غيرها في الداخل الليبيّ بقدر ما هي سياسية وتحزبية استلزمت الظروف والأحداث الماضية أن يكون الدفع بها دون غيرها إلى العالم والعالم العربيّ – الشرق أوسطي - بالدرجة الأولى..

أقول: لو جاء اسم ليبيا (ضيف شرف) في جميع المعارض الدولية للكتب بالدول العربية كافة، لدورة هذا العام 2013، فسيكون ذلك جيداً، لأن ليبيا أحق من غيرها في هذه المرحلة من تاريخها وتاريخنا معها بالذات..

ختاماً: نتمنى استمرارية المعرض بكافة فعالياته طيلة المدة المقررة له، فحتى وقت كتابة هذه المقالة (السبت 26 يناير) لا يزال المعرض فاتحاً أبوابه، وإن كانت بعض الفعاليات الثقافية فيه قد تم إلغاؤها بسبب المظاهرات التي قامت في القاهرة ونأمل أن تنتهي بخير على مصر التي ننتظر منها الكثير..

* * *

من قصيدة (كبار):

عطفوا عليكَ،

فانتَ كابن العطفِ

لم تكن استقامتكَ اعترافاً

بالذي هو أنتْ..

عطفوا عليكَ، ولم تزلْ

متورّطاً في المعتزلْ

وكأنَّ جهلكَ بالذي تدري

يساوي جهلَ من داروكَ بكْ

فإلى متى تحمي انتصاراتِ الذين تخافهم

بهزائمكْ؟

وإلى متى تحتاج غيركَ كاسباً

حتى يباركَ فيكَ كلَّ خسائركْ..؟!