ما زالت المرأة عنصراً مهماً في غالبية الأعمال الفنية نحتا كان أو تصويراً زيتياً أو رسماً، ومع أن الفنون الحديثة قد تجاوزت النقل المباشر أو التسجيل الفوتوغرافي في اللوحات إلا أن المرأة تحضر أيضاً ولو بالتلميح. فللمرأة دلالات كثيرة من أهمها العاطفة والحنان وكثير ما وصفت بالأرض والشجرة والوطن، أما اليوم ورغم ما أصبحت عليه الفنون من تبدل وتغير والسعي نحو الإغراق في التلميح والاعتماد على الفكرة والمضمون الافتراضي أكثر منه شكلاً واقعياً فإن هناك من الفنانين من أصبحوا مخلصين لأساليبهم واتجاهاتهم الفنية، الحريصون على تطويرها في إطارها وروحها وهويتها، ومن هؤلاء تبرز الفنانة لميس الحموي من مواليد حماة عام 1976 . مقيمة بالمملكة العربية السعودية خريجة كلية الفنون الجميلة قسم تصوير زيتي عام 2000 عضو نقابة الفنون الجميلة بدمشق، أقامت ستة معارض شخصية وأكثر من عشرين معرضاً جماعياً على المستوى العربي، ولدت الفنانة لميس في عائلة تهوى الرسم وولدت معها موهبتها، تقول في أحد اللقاءات الصحفية لا تستهويها ألعاب الأطفال، كانت تفضِّل رسم الشخصيات الكرتونية. اعتمدت في البداية على والدها.. ووعوده لها وأكملت دراستها في مجال الرسم.
دقة التفاصيل والهوية الخاصة
النظر للوحات الفنانة لميس يمنحك إحساساً كبيراً ودهشة وبحثاً عن طرف الخيط أو البوابة التي تمكنك من كشف أغوارها والغوص في أعماق زوايا الجمال في التكوين العام أو اللون، فاللوحة تبرز كنسيج متكامل ومترابط يسمعك إيقاعات ذات هرمونية لا نشاز فيها، تقترب بك مضموناً من ليالي ألف ليلة وليلة وتنقلك روحاً وإحساساً إلى أعماق التاريخ لمراحل معينة من عهد الخلافات الإسلامية وكيف كانت وكيف توصف، تقول الفنانة لميس إن في أعمالها تأثير المدرسة الفارسية وذلك بالفعل واضح وجلي وخصوصاً التعامل مع التفاصيل وصياغة الخطوط مع ما تضفيه من تناغم قل من يديره بين عناصر اللوحة في كل جزء منها دون تصادم أو تعارض يصدم المشاهد. استخلصتها من دراستها لجميع المدارس الفنية واطلاعها كما تقول على تجارب الآخرين التي شكلت لديها مخزوناً بصرياً أغنى بصيرتها وأثراها مع الحفاظ على رؤيتها الخاصة تجاه الأشياء وترجمتها بما يتناسب مع شخصيتها.
حضور دائم للمرأة في لوحاتها
لا شك أن السؤال العام أو الذي تفرضه المرأة في اللوحة هو الأبرز حينما يلتقي بها المتلقي، وقد أجابت كثيراً على هذا السؤال كما قالت في لقاء سابق لها مع إحدى الصحف بأن المرأة بالنسبة لها رمز الجمال والأنوثة والحنان، هي مصدر ومنبع لكل شيء جميل, فإن عدنا إلى التاريخ نرى أن المرأة لطالما شكلت البنية الأساسية لمكونات السرد القصصي (كقصة ألف ليلة وليلة) وملهمة الشعراء والأدباء والكتّاب.. وقد أثارت قصص ألف ليلة وليلة مخيلتي وأغنتها, فبسحرها وجاذبيتها أضافت للقصة بهاءً ورونقاً وقد حاولت كثيراً أن أصل بلوحتي إلى درجة الكمال في التعبير عن شخصيتها ولكني لم أحقق ذلك بعد. رغم أن كثيرين يقولون لي عندما نرى أعمالك نستطيع سماع أصوات الحلي والخلاخل. فهذه المرأة تدخل السرور والبهجة إلى قلبي حتى وهي حزينة ومنكسرة ولهذا أحرص على أن تكون حاضرة دائماً في لوحاتي.
لم تكن لميس تنظر للشكل الظاهر مع حرصها على التكوين وبناء العمل، وإنما جعلت الشكل بوابة للدخول في أعماق الفكرة في اللوحة، إلى أبعاد تتشكل أحياناً وتوحي بمفاتيح قصة أو رواية، وأحياناً أخرى تبعث في نفسك شعوراً بارتباط يكاد يغيب تجاه المرأة الأم أو الزوجة أو الأخت، شعور يتراءى نتيجة وجود شبه أو ملامح هنا أو هناك في هذه اللوحة أو تلك. يحملك بعيداً إلى مرحلة السمو وليس الانفصال عمَّا أمامك من عناصر وتفاصيل، وإيحاءات تغمر المكان حينما تتوزع فيه تلك اللوحات.
غنى في اللون وقوة في الخط والتكوين
حينما تجتمع الموهبة بالدراسة فالناتج سيكون مثمراً ومقنعاً، وكثيراً ما تصبح الدراسة في حال افتقاد الموهبة والقدرات الخاصة غير مجدية. واليوم نحن أمام مزيج متماسك ووجبة غنية بكل مقومات الإبداع، حيث استطاعت الفنانة لميس بموهبتها المبكرة والفطرية ومن خلال تعاملها الأول مع الرسم أن تصنع لها قاعة انطلاقاً مدعماً بالخبرات الذاتية وصولاً إلى مقاعد الأكاديمية وما يتبع ذلك من تلق لعلوم بناء العمل أكاديمياً، مروراً بالثقافة البصرية التي تستخلصها من تجارب المبدعين على مر التاريخ، وبهذا الزخم من القدرات والمعلومات تمكنت من وضع يدها على هويتها وخصوصيتها، وأبدعت أعمالاً غنية في اللون متنوّعة في الطرح، مخلصة للمرأة بأن جعلت منها عنصراً مهماً من بين بقية العناصر، تارة تضعها في حالة انسجام وزهو واعتزاز، وتارة تبرز ملامح الشخصية القوية دون إخلال بالأنوثة. كما نراها في أحايين كثيرة سبيلاً للجذب إلى تراث عريق أصبح للمرأة دور فاعل في جانب أناقتها وحرصها على إبراز الجمال في الملبس أو الإكسسوارات أو ما يحيط بها من مشغولات، كما أن الفنانة لميس لم تفصل المرأة عن البيئة ودورها في العمل والمشاركة في كل نواحي الحياة، تعتمد الفنانة لميس في تشكيل اللوحة على ربط الأجزاء وإيجاد توافق بين الكتلة والفراغ، وتوازن بين مقومات العمل من ظل وضوء، وتوازن في (تونات) اللون من قاتم إلى فاتح ومن ساخن إلى بارد، يبعث في النفس الارتياح وللنظر دون ملل.
monif.art@msn.com