|
لماذا..؟!
|
عندما يحاول أي منا أن يحصل على تأشيرة سائح تعطيه الحق في الدخول الى الولايات المتحدة الأمريكية فان الانتظار سوف يطول به قبل أن يستجاب لطلبه، إن كان صاحب حظ سعيد في الحصول عليها..
بعضنا يتقدم للسفارة لأخذ موافقتها على دخول الأراضي الأمريكية للدراسة أو للعلاج، فيواجه من المسؤولين بشيء من التردد بعد لقاءات وفتح محضر تحقيق معه وربما انتهى الأمر بعدم الموافقة على طلبه..
وفي بقية دول الغرب هناك تغير واضح في معاملة سفاراتها مع كل من يحمل الهوية السعودية، فقد أصبح يقابل عند حاجته إلى تأشيرة دخول لأراضيها مهما كانت مبرراتها بشيء من الخوف والريبة والشك.
***
وعلى المستوى المحلي..
هناك نقاط تفتيش مرورية في كل مكان بما لم نعتده من قبل للتأكد من هوية كل منا ومن أنه لا يشكل خطراً أمنياً على بلاده..
وهناك تطويق أمني لبعض الأحياء ومراقبة أمنية متواصلة لأحياء أخرى للحيلولة دون إساءة الإرهابيين لأمن المواطن وللأمن في الوطن..
وهو ما عطل حركة السير وعرقل انسياب مرور المركبات على امتداد الطرق بين المدن وداخلها.
***
أسألكم بعد كل ذلك، مَنْ الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم..؟
مَنْ المسؤول عن ذلك..؟
ولماذا وضعنا أنفسنا في هذا الموقع الذي ما كان ينبغي أن نصل إليه..
وأين هي المصلحة التي تحققت لنا في كل ما حدث من تفجيرات محلياً ودولياً..؟
وهل قمنا بمقارنة ولو سريعة بين ما كنا عليه وما أصبحنا نئن اليوم منه..؟
***
كانت كما تذكرون أبواب السفارات الأجنبية مفتوحة للسعوديين وتقدم الخدمة لنا بشيء من التميز..
وكانت جامعاتها ومصحاتها في خدمة الراغبين والمحتاجين منا..
وكنا نجد عند وصولنا إلى مطاراتهم مرونة لا تُعطى لغيرنا لإنجاز إجراءات الدخول المعتادة..
كنا نشعر كسعوديين بمعاملة خاصة متميزة نباهي بها ويغبطنا الآخرون عليها..
فما الذي تبدل وتغير وأوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم من حال لا تسر..؟
***
أحداث الحادي عشر من سبتمبر..
وما سبقها وما جاء بعدها..
وتلك الأسماء السعودية التي ورد ذكرها ضمن مَنْ قام بهذه الأعمال الإرهابية..
هي بالتأكيد ما قادتنا إلى هذا الوضع المقيت..
وليس عندي شك في ان التمادي بممارسة هذا الأسلوب من الأعمال الإرهابية قد يقودنا الى ما هو أسوأ...
فهل نفكر..؟
وهل حان الوقت للتفكير..؟
أم أننا لا نزال في غيّنا..؟!
خالد المالك
|
|
|
يعود إلى العهد العثماني مضاهر متبدلة لسوق الحميدية بدمشق
|
* دمشق خاص بمجلة الجزيرة / عدسة عبود حمام
لا يبدأ مشروع الكتابة عن دمشق من مساحة حرية مطلقة، فالمدينة مع الزمن تصبح تراثا يحدد اشكال التفكير ويحكم الإبداع بمنطلقات ظهرت عبر تاريخ دمشق، وبالقدر الذي يوحيه ماضي المدينة من استمرار وقدرة على البقاء، فإنه في الوقت نفسه يفرض جغرافية رسمتها الكتب القديمة وحددت تفاصيلها فكانت وبقيت أفقاً للمجتمع، ومشكلة المدن القديمة تبدأ بمخططاتها العمرانية التي تحاول الحفاظ على الآثار والأوابد وتكييف الماضي مع احتياجات الحاضر، وتنتهي بأزمة إطارالتفكير المفروض عبر التراث المشكل للعقل الاجتماعي الذي يمنعنا عمليا من طرح اسئلة جديدة، فتاريخ المدينة بخطوطه العامة على الأقل بات معروفا حتى لغير المختصين، ومع الاحداث التي شهدتها دمشق غدت الظروف التي حكمت نشأتها والعلاقات الاجتماعية التي اوجدت عاداتها شيئاً مألوفاً، وهذا الامر فرض نفسه منذ العقد الثالث لهذا القرن فكانت الكتابة عنها تأخذ اتجاهين: الأول توثيق كافة اوجه الحياة فيها بما في ذلك العمران والتطور الجغرافي، وهو اتجاه موضوعي اوجده التغير الذي احتاجته المدينة لاستيعاب التزايد السكاني والدخول الى الازمنة الحديثة، فوثق العمران والعادات والثقافة التي سادت منذ الفترة المملوكية وحتى عصرنا الراهن، والثاني اعادة نشر المخطوطات الخاصة بدمشق بعد تحقيقها والتعليق عليها وهي خطوة أملاها الوعي المدني للنخبة المثقفة، وقام بمعظم هذه الجهود "المجمع العلمي العربي" الذي احيا التراث المكتوب مقدما المادة العلمية لأي بحث قادم عن تاريخ المدينة.
علمياً فإن جهود الباحثين انصبت على آثار المدينة داخل السور التاريخي، والتي تشكل حالة فريدة لمزيج من العمارة تختلط فيه سمات حضارية مختلفة. بينما بقيت بعض المعالم السياحية في المدينة خارج إطار البحث، لأنها كانت من وجهة نظر بعض الدارسين حديثة او قريبة العهد. وهذا الأمر ينطبق على "سوق الحميدية" الذي يعتبر من وجهة النظر التاريخية منشأة جديدة تعود الى نهاية العهد العثماني. لكن هذا السوق ارتبط باسم دمشق وبشكل لا يختلف كثيرا عن باقي الآثار مثل الجامع الأموي، والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا استقطب سوق الحميدية هذا الاهتمام؟ وكيف طبع دمشق بهوية محددة مرتبطة بفاعلية هذا السوق التجاري؟
تراث متجدد
من التعسف اليوم إعادة ترتيب الآثار الدمشقية، او حتى تاريخ دمشق، وفق ما بقي من العمران في محيط المدينة او داخل سورها. فاستمرار دمشق عبر أكثر من 3000 عام يؤكد حيوية المجتمع فيها، حيث لا يمكن فصل التطور والارتقاء فيها عن التطور المعماري المستمر. ومن هذه الزاوية بالذات يمكن الدخول الى "سوق الحميدية"، ليس فقط كمنشأة ظهرت في عهد السلطان العثماني عبدالحميد الثاني وسميت باسمه، بل كموقع بقي يستقطب الحركة الاجتماعية طوال تاريخ المدينة. وكتأكيد على هذا الاتجاه فإنه خلال عمليات إعادة ترميم سوق الحميدية الأثري في دمشق، ومحاولة بناء ما تهدم منه خلال الصيف الماضي، تم اكتشاف آثار لم تكن معروفة، حيث تبين وجود شبكات مائية تحت البيمارستان النوري "يعود الى العهد الايوبي" الذي يقع في الشارع الممتد ما بين سوق الحميدية وساحة الحريقة وهذه الشبكات المائية متعاقبة تاريخياً وكانت تزود البحرة المركزية للباحة بالمياه، كما اكتشف ايضا جدار كبير بعرض حوالي مترين من المحتمل عودته الى الفترة السلجوقية، وهو ما يعطيه أهمية أثرية كبيرة بالنسبة لدراسة المخطط المدني المعماري للمدينة القديمة، اذا يتوقع ان يكون البيمارستان النوري الذي بني في مطلع النصف الثاني من القرن الثاني عشر على يد نور الدين زنكي، قام فوق هذا الجدار الذي ترافقت البنية الأثرية المحيطة به مع طبقات أثرية تعود الى الفترة البيزنطية والرومانية سبق العثور فيها على عدة قطع نقدية من تلك الفترة.
نقطة الاستقطاب
عملياً فإن منطقة سوق الحميدية شكلت خلال التاريخ الإسلامي الوسيط مركز الفاعلية لدمشق. فقبل ان تصبح موقعا للأسواق كانت نقطة استقطاب الحياة السياسية والثقافية. فكان فيها "دار السعادة" وهو مركز الولاية في المدينة خلال المرحلة الايوبية والمملوكية. كما بدأت المدينة من هذه النقطة بالتطور باتجاه منطقة سوق ساروجا، فظهرت المدارس الأولى للعهد الايوبي فيها. وهذا التحول لمنطقة "سوق الحميدية" بدأ يرسم الملامح التجارية التي نشهدها اليوم. فهو لم يكن منطقة مهملة كونها مجاورة للسور، بل على العكس لأن بعض الاوابد المجاورة لها تدل على ان هذه المنطقة ذخرت بالفعاليات المختلفة فسوق مدحت باشا الموازي له يعود الى العهد الهلنستي وكان يسمى بالسوق الطويل، وذلك قبل ان يتم سقفه في عهد والي دمشق العثماني مدحت باشا. فالحدث التاريخي كان يتمركز في منطقة سوق الحميدية خلال المرحلة المملوكية الطويلة، وذلك ضمن مثلث جغرافي يبدأ بقلعة دمشق التي استقطبت القوة المملوكية، ثم دار السعادة كمركز للحكم والقضاء، واخيرا الجامع الأموي الذي كان مركز الثقافة والعلم خلال مختلف المراحل، ووسط هذا المثلث كان سوق الحميدية يشكل محور الحركة مما أدى الى تطور الفعاليات الاقتصادية فيه وشكل الرابط ما بين الأسواق التي نشأت على محور منطقة القلعة "سوق السروجية"، او في محيط دار السعادة "سوق البزورية"، او حتى في جوار الجامع الأموي "سوق المسكية"، فالأسواق السابقة تخصصية لها علاقة بالمنطقة التي نشأت بها، حيث يلبي سوق السروجية متطلبات العسكر من سروج وكل ما يختص بالأمور المتعلقة بالفرس اوالسلاح، بينما كان سوق المسكية مكاناً لبيع الكتب والمخطوطات. وشكل سوق البزورية في جوار دار السعادة ومنطقة الخانات مستودعاً للقوافل وللبيع والتوزيع الى مختلف ارجاء المدينة بينما كان يتطور باتجاه التنوع مما جعله سوقا مركزيا حتى هذه الأيام.
صور تاريخية
السوق اليوم يمتد على خط مستقيم من الغرب وحتى الجامع الأموي، وشكله الحالي يعود الى عام 1863م خلال العهد العثماني وحكم السلطان عبدالحميد الذي سمي السوق باسمه. لكن الصورة التاريخية له لا ترتسم إلا بإعادة صياغة الصورة الأساسية له طوال الحكم العثماني. فنحن نمر إليه اليوم عبر بوابة ما كان يسمى بطريق الحج، الذي يبدأ بجامع "السنجقدار" الذي يحوي راية الحج الدمشقي، وهذا الجامع يواجه القلعة من الجهة الغربية ولا يفصله عن مدخل السوق سوى امتار قليلة. لكن الامر لا يتعلق فقط بطريق الحج بل ايضا بالقعلة التي تبدو اليوم ملتصقة بسوق الحميدية. فهي كانت الضامن لاستقراره واستمراره خصوصاً في مراحل الازمات التي مرت بها دمشق خلال الحكم العثماني. ومن الممكن اليوم الدخول الى السوق من عدة مناطق بجوار القلعة، وهذا الأمر كان متعذراً في السابق نظراً لتلاصق الأسواق والمنشآت.
ويبدو السوق انيقا اليوم وترتفع محاله التجارية على ارتفاع طابقين، وهو امر جديد نسبيا لأن تشكيل السوق تبدل بشكل كبير. فطول السوق يبلغ نحو 600 متر وعرضه بحدود 15 متراً، واُنشئ خلال مرحلتين تاريخيتين. فالقسم الغربي منه يعود الى فترة والي دمشق العثماني محمد باشا عام 1780م، وأُطلق عليه اسم "سوق الجديدة" لوجود سوق اخرى كانت تقوم قبلها وتعرف باسم سوق "الاروم" اما القسم الثاني فبني عام 1883م أيام السلطان العثماني عبدالحميد الثاني. ومرت السوق بالكثير من المحن اذ تعرضت الى حريق عام 1911م اتى على الكثير من المحلات التجارية، واندلع فيها حريق آخر عام 1920م وكادت النار ان تصل الى الجامع الأموي بعد استمرارها ثلاثة أيام متواصلة، ما اضطر الدولة الى هدم الكثير من البيوت ونسفها بالديناميت لايقاف امتداد النيران. وقام الوالي حسين ناظم باشا باستبدال السقف الخشبي للسوق بسقف من التوتياء عام 1895 منعاً للحرائق.
واليوم يعود السوق الى شكل جديد بعد سنوات من الإهمال سببت الكثير من التشوهات والتعديات عليه من قبل اصحاب المحلات التجارية. فعلميات ترميمه اليوم كلفت 36 مليون ليرة (700 ألف دولار) وهي جزء من عمليات ترميم شاملة تسعى الى تغطية بعض الأسواق المجاورة لسوق الحميدية. والمتجول اليوم داخل هذا السوق يلاحظ التيجان الأثرية والعمدة التاريخية.
ومع ترميم السوق أصبحت الصناعات الدمشقية التقليدية المنتشرة فيه أكثر تناغماً وتوافقاً مع بيئته القديمة، فهذا السوق يحوي محلات بيع الصناعات الدمشقية التقليدية مثل الاغباني وهي اقمشة مصنوعة من الكتاب ومطرزة بخيوط حرير وقصب، وصناعة الموزاييك الخشبية والتحف والمصنوعات الشرقية النحاسية. كما تباع فيها الاقمشة الحريرية والاجواخ والمطرزات وأدوات الزينة والملبوسات النسائية الجاهزة "كالجلابيات" على اختلاف اشكالها والتي لم تتغير تصاميمها إلا قليلاً. ويتفرع منه الكثير من الأسواق التخصصية مثل سوق النسوان والصاغة والجمرك والعصرونية.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|