|
وماذا بعد مجلة الجزيرة..؟!
|
يسألني البعض بشيء من الدهاء، وماذا بعد مجلة الجزيرة..؟
وهو سؤال وجيه يسعدني سماعه، لأنه يشير ببساطة الى اتساع دائرة الاهتمام بصحيفة الجزيرة، ضمن هذه المساحة الكبيرة التي احتلتها وهي تقدم لقرائها هذه المستويات التي لامست ربما شيئاً من رغبات القراء وتطلعاتهم..
***
ونخطىء خطأ فادحاً، إن أنا أو أياً من زملائي استسلمنا لتصور قد يداهمنا ومضمونه بأن ما نقدمه يزيد ولو قليلا عن الحد الأدنى المطلوب والمنتظر والمستهدف تحقيقه لبلوغ ما يتم التخطيط له لمستقبل الجزيرة الموعود إن شاء الله بالكثير من الوثبات..
***
إن العمل الصحفي من وجهة نظر شخصية يقوم على التجديد ويعتمد على الابتكار، وبذلك فإن التفوق المستهدف يتحقق حين تتميز الجزيرة عن رصيفاتها بكل شيء، من صياغة المادة الصحفية وكتابة عناوينها الى تبويب الصحيفة وإخراجها، من اختيار الصور وتوظيفها الى تقييم المادة الصحفية ونشرها في حدود المساحة التي تستحقها، ومن التواجد في قلب الأحداث وعدم الغياب عنها الى التفرد بكل ما يخطر وما لا يخطر في أذهان قرائها..
***
ومرة أخرى، تخطىء أسرة تحرير صحيفة «الجزيرة» إن لامس هذا الكلام هوى في نفوس أفرادها، إن صدقوا ما قد يقال لهم من أن الجزيرة تصدر حالياً وبعد طول انتظار متشحة بهذه الملامح الجميلة لصحافة العصر، لكن الزملاء ومعهم الصحيفة يكبرون لدى القراء بما يقدمونه من عمل مدروس وعلى النحو الذي يقومون به الآن ضمن خطة وآلية عمل لانجاز صحفي تتوافر فيه كل هذه المواصفات، بانتظار اللحظات الأجمل والأروع التي نحتفل فيها جميعاً بنجاح هذا التدخل الجراحي الكبير في جسم صحيفة الجزيرة الذي أعادها سليمة ومعافاة من بعض جوانب القصور..
***
نعم، وماذا بعد مجلة الجزيرة..؟!
سؤال وجيه..
وإجابته أختصرها بالتأكيد لكم على أن وثبات الجزيرة قادمة ولن تتوقف، وسوف نضيف قريباً المزيد من الجماليات، انتظرونا، فالجزيرة تكفيك..
++++
خالد المالك
++++
|
|
|
ثلاثة سيناريوهات أحلاها تنصيب «قائم مقام» عسكري!! «عسكرة الديمقراطية»..خطة أمريكا للعراق !!
|
مجلة الجزيرة خاص:
مع وصول طلائع المفتشين الدوليين والمحادثات المكثفة الجارية مع المسؤولين في العراق فإن العد التنازلي يبدو متسارعا نحو الحسم.. فيما لا يبدو في الأفق ما يشير إلى تراجع محتمل للولايات المتحدة عن أهدافها المعلنة والمتمثلة في الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين، يرى المراقبون أن الحديث وفقا لذلك يجب أن يكون حول: ثم ماذا وراء الأهداف الأمريكية ؟؟!!
يقول المتابعون لتطورات ما أصبح يعرف بالمسألة العراقية إن بغداد تبدو أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة لمرحلة ما بعد الغزو الأمريكي المرتقب والواقع،لا محالة، وفقا لتحليلاتهم، لاسيما، وأن الخيارات قد أصبحت أيضا محدودة أمام واشنطن المدفوعة وفقا لأجندة اليمين المتطرف الذي يعتقد أن خططه أبعد من مجرد غزو العراق.
ويشير المحللون إلى أن الولايات المتحدة بعد غزو العراق قد تفرض نظاما عسكريا انتقاليا صارما وذلك حسب ما أعلن مسؤولو الإدارة الأمريكية في أكتوبر الماضي.. مما يعزز القول إن واشنطن تهدف إلى احتلال العراق ثم تنصيب قائد عسكري قائم بأعمال البلاد، ربما يكون قائد القوات الأمريكية في الخليج الجنرال تومي فرانكس، والذي سيقوم بحكم العراق لعدة أشهر، أو ربما لعدة سنوات.
وسيتبع ذلك الحكم العسكري المباشر السيناريو الثاني المتمثل في نظام حكم على غرار الحقبة الاستعمارية تقوده الولايات المتحدة عن طريق مسؤولين مدنيين أمريكيين.
وفي وقت لاحق بعد ذلك، تخطط الولايات المتحدة أن تسلم السلطة رسميا إلى الأفراد العراقيين «الديموقراطيين» الموالين للولايات المتحدة.
المسؤولون الحكوميون يقارنون النظام العسكري الأمريكي في العراق بنظام الاحتلال الأمريكي لليابان لفترة ما بعد الحرب، والذي كان يقوده لمدة ست سنوات ونصف السنة الجنرال دوجلاس ماك آرثر.
كما تحدثوا أيضا عن محاكمات جرائم حرب ضد القادة العراقيين وتدمير حزب «البعث» العراقي الحاكم.
السيناريو الأكثر صرامة هو الاستعمار المباشر والاستمرار لأطول فترة تتمكن خلالها الولايات المتحدة من ترتيب أوضاع المنطقة وصياغتها وفقا لمصالحها وخطورة هذا السيناريو يكمن في أن واشنطن قد توسع حدود تواجدها إلى ما هو أبعد من العراق !! المثقفون والكتاب الأمريكيون منقسمون حول خطط إدارة الرئيس بوش على النحو الذي سنستعرضه هنا بين اتجاهين مختلفين على النحو التالي:
«الولايات المتحدة لم يعد أمامها سوى خيارات سياسية قليلة في ما يتعلق بالعراق».. هذا ما يراه كينيث ام. بولاك أحد أبرز الخبراء الأمريكيين في وجهة نظر متناغمة بشكل بارع مع توجهات الإدارة الأمريكية وهي تتحرك نحو مواجهة جديدة مع صدام حسين.
يعتقد بولاك وهو واحد من ثلاثة محللين فقط في وكالة الاستخبارات المركزية استطاعوا التكهن بالغزو العراقي للكويت أن الخيار الأكثر عقلا بالنسبة للولايات المتحدة يتمثل في شن غزو واسع وبشكل متصاعد استئصال أسلحة الدمارالشامل لدى صدام، وإعادة بناء العراق كمجتمع مزدهر ومستقر لمصلحة الولايات المتحدة والشعب العراقي ومجمل المنطقة.
دراسة صدام
على امتداد الخمس عشرة سنة الماضية، وكمحلل للشأن العراقي في وكالة الاستخبارات المركزية ومجلس الأمن القومي، قام بولاك بدراسة صدام عن قرب لم يكن متاحا لشخص آخر في الولايات المتحدة.
في عام 1990م كان بولاك واحدا من ثلاثة محللين فقط في وكالة الاستخبارات المركزية استطاعوا التكهن بالغزو العراقي للكويت.
وباعتباره المحرر الرئيسي لتاريخ الاستراتيجية والعمليات العسكرية العراقية خلال حرب الخليج، الذي أعدته الوكالة، نال بولاك قدرة استبطان نادرة للأساليب والأعمال لدى نظام يعتقد أنه الأكثر وحشية منذ روسيا الستالينية.
بالنظر في كافة جوانب الجدال الدائر، وبإعمال نظرة ثاقبة في القوى العسكرية والجيوسياسية ذات الأثر، يخلص بولاك في النهاية إلى هذه النتيجة: «من خلال الأخطاء التي صنعناها بأنفسنا، وغدر الآخرين، ومكر صدام فإن الولايات المتحدة لم يعد أمامها سوى قلة من خيارات السياسة فيما يتعلق بالعراق بشكل متصاعد، فإن الخيار الأكثر عقلانية بالنسبة للولايات المتحدة يتمثل في شن غزو واسع، استئصال أسلحة الدمار الشامل لدى صدام، وإعادة بناء العراق كمجتمع مزدهر ومستقر لمصلحة الولايات المتحدة، والشعب العراقي، ومجمل المنطقة».
أعتقد بولاك لسنوات عديدة أن في وسع الولايات المتحدة منع صدام من تهديد استقرار الخليج العربي والعالم من خلال الاحتواء مزيج من العقوبات والعمليات العسكرية المحدودة.
في هذا المقام، يوضح بولاك السبب في أن الاحتواء لم يعد فعالا، وأن السياسات الأخرى الهادفة لردع صدام تمثل خطرا أكبر من خطر مواجهته الآن، وقبل أن يتمكن من الحصول على أسلحة نووية والعودة من جديد لهدفه المعلن: السيطرة على منطقة الخليج.
يكتب بولاك قائلا: «غالبا ما يقال إن الحرب يتم اللجوء إليها كملاذ أخير فقط».
ويضيف «أنا غير مستعد للاعتقاد، في حالة التهديد الذي تمثله العراق، بأننا قد ننتظر حتى نبلغ الملاذ الأخير».
عارضا رؤية للمنطقة تستند على قوة تقرير استخباراتي، يصور بولاك ما يفكر فيه قادة الدول العربية، والسبيل إلى عملية عسكرية ناجحة تقوم بها الولايات المتحدة، والتكلفة المرجحة، ورد الفعل المحتمل من صدام، وهو يمعن النظر في حال العراق اليوم، اقتصادها، قواتها المسلحة، نظامها السياسي، ووضع أجهزتها التي تبقي على صدام في السلطة، ويحلل بولاك أيضا السنوات العشرين الأخيرة للعلاقات بين الولايات المتحدة والعراق لتوضيح كيف أن البلدين وصلا إلى الموقف البائس السائد حاليا، بما يكشف عنه من نفاذ للبصيرة ومعلومات تفصيلية وافية عن الكيفية التي سيتخذ بها قادة كلا الطرفين قراراتهم.
من سومر إلى صدام
لسنوات طويلة عديدة، لم يكن لكل من العراق والولايات المتحدة شأن كبير بالآخر.
عرفت أيام المجد العظيم للعراق قبل وقت طويل جدا على ظهور الولايات المتحدة، وفي القرون الأخيرة، عندما كانت أمريكا لا تزال ناشئة وبلدا معزولا نسبيا، كان العراقيون خاضعين لحكم الأتراك العثمانيين، الذين لم توجد لهم علاقة تذكر بالولايات المتحدة.
وحتى بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى وتشكل دولة العراق الحديثة، كانت بريطانيا، وليست أمريكا، هي التي هيمنت لعقود على السياسة العراقية.
في الواقع، وكما هو الأمر مع الكثيرين من العرب، وإلى عقود قليلة متأخرة فقط، لم تكن الولايات المتحدة أكثر من اسم غريب لبلد ناءٍ بالنسبة لغالبية العراقيين.
قبل الحرب العالمية الثانية، كانت للولايات المتحدة علاقات تجارية فقط مع الخليج العربي، وهي حرصت على تفادي أي تدخل في سياسات المنطقة.
في العقود التالية للحرب، اضطلعت الولايات المتحدة بمصالح متنامية في الخليج.
كانت العراق دولة عربية راديكالية ضعيفة ذات روابط مع روسيا غير أنها لم تمثل تهديدا يتعين الاكتراث به.
لم تكن ثمة علاقة تذكر حتى الثمانينيات حين بدأ البلدان اتصالات هادفة، وبعد ذلك أفرزت حدود علاقاتهما السابقة: الجهل، والحسابات الخاطئة والشكوك، ما أدى لنمط ثابت من القراءة الخاطئة لنوايا كل طرف من قبل الآخر.
ماضي العراق
في العام 762 ميلادية، قامت أسرة حاكمة جديدة من الخلفاء، العباسيين، ببناء عاصمة جديدة في بغداد التي ستبقى مركزا للإمبراطورية الإسلامية لنحو خمسمائة عام.
خلال هذه الفترة، كانت بغداد دون جدال أعظم مركز للفن، العلم، والثقافة في العالم وتولى حكمها خلفاء عظماء من نحو هارون الرشيد، الذي اشتهر بدوره في ملحمة ألف ليلة وليلة.
خلال العهد العثماني، كانت منطقة العراق تدار عن طريق ثلاثة أقاليم منفصلة عن بعضها (ولايات).
في الشمال كانت ولاية الموصل، التي تضم مدن الموصل وكركوك وأربيل والسليمانية وهيمن عليها الأكراد السنيون، في الوسط كانت ولاية بغداد، التي تشمل العاصمة الإسلامية السابقة، وضواحيها، والأراضي الممتدة غربا والتي كانت في الأساس للعرب السنيين.
وأخيراً، ولاية البصرة التي خضعت لإدارتها معظم الأراضي القديمة لجنوب بلاد ما بين النهرين.
وصاية بريطانية
بعد هزيمة العثمانيين خلال الحرب العالمية الأولى، جرى تقسيم أقاليمهم بين البريطانيين والفرنسيين، الذين فرضوا وصاية (انتداب) على معظم الإمبراطورية العثمانية السابقة.
ذهبت شهية بريطانيا صوب بغداد والبصرة (اللتين أسمتهما أقاليم ما بين النهرين) من ناحية لما هو مرتقب من ثروة بترولية وزراعية.
ولكن في المقام الأول بسبب أن لندن أرادت جسرا من الأرض يمتد من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسط تستطيع أن تحرك عبره القوات للدفاع عن الهند البريطانية.
أحكم البريطانيون قبضتهم على طرف هذا الطريق عند البحر الأبيض المتوسط بالحصول على فلسطين وشرق الأردن، وتمثل الطرف الشرقي لهذا الطريق في الإقليم العراقي الجديد تحت الانتداب، الذي أريد له أول الأمر أن يشمل اقليمي بغداد والبصرة.
في النهاية، أضافت لندن إليها إقليم الموصل، ليس فقط بسبب الاعتقاد في غناه بالبترول (الذي تأكد لاحقا باكتشاف حقول بترول كركوك الضخمة في العشرينيات) ولكن أيضا لخلق منطقة عازلة في مواجهة تركيا وروسيا.
بالنسبة لحدود العراق الغربية، تم تحديدها لحد كبير اعتمادا على المفهوم الجغرافي البسيط: تم فصل المراكز الحضرية الكبيرة لبغداد ووادي بلاد ما بين النهرين عن الأراضي في الشرق بالصحراء السورية، وكان شريان النقل الرئيسي الممتد عبرها هو طريق بغداد عمان.
قسَّم البريطانيون الطريق عند وسطه ومنحوا إدارة الاقليم الممتد غربا من تلك النقطة الوسيطة للأردن، بينما ذهب الجزء الممتد شرقا للعراق.
صدام والبعث
ولد صدام حسين في قرية العوجة الصغيرة خارج بلدة تكريت المنعزلة في شمال غرب العراق، ربما في 28 إبريل من عام 1937م في جماعة بايجات من قبيلة بو ناصر، وهي قبيلة سنية متوسطة الحجم، كان صدام ميالا للانفرادية وحين بلغ العاشرة من عمره، بعث به للعيش مع خاله خير الله طلفاح، وهو ضابط جيش سابق جرى حبسه لبعض من الوقت لدوره في محاولة 1941م الانقلابية الموالية للنازية.
كان صدام قد تشرب بسياسة خاله خير الله وأصدقاء خير الله، الذين كان من بينهم أحد أقاربه وضابط في الجيش يدعى أحمد حسن البكر، وهو عضو ذو أهمية في حزب البعث العراقي.
بدأ حزب البعث في سوريا في الثلاثينيات غير أنه نما بسرعة وتشعب فيما بعد في العراق وعدة بلدان عربية أخرى، مثله مثل أحزاب سياسية عديدة ذاع صيتها في ذلك الوقت، جمع البعث الاشتراكيين والعروبيين في فلسفة غير واضحة يغلب عليها التناقض وتفتقر لسعة الإدراك والمعرفة العملية.
صدام حسين بنفسه بدأ، وهو يحمل بندقية، بالانجراف في أوساط مجموعات مختلفة للناصريين والعروبيين قبل أن ينتهي أخيراً مع البكر والبعث.
في عام 1958م تولى الحكم في العراق الفريق عبدالكريم قاسم، الذي اعتمد على الاستياء الشعبي الواسع من الحكومة بسبب فشلها في توفير أي دعم لمصر عندما حاربت الاسرائيليين والبريطانيين والفرنسيين في حرب عام 1956م.
في عام 1959م شارك صدام في محاولة اغتيال استهدفت قاسم.
كان صدام العضو السابع في الفريق المكلف بالعملية والذي يضم سبعة أفراد، وكانت مهمته توفير غطاء نيراني في مواجهة حراس قاسم الشخصيين لإتاحة الفرصة لبقية الفريق لقتل الطاغية، غير أن قاسم تأخر في اليوم المحدد للعملية.
وحين وصل أخيراً، كان صدام قد أخذته الحماسة لدرجة نسي معها مهمته، وبدلا عنها قام بإطلاق النار في اتجاه قاسم، فشلت العملية بفضل قلة صبر صدام: أصيب قاسم بجروح بالغة غير أنه لم يقتل إذ ان حراسه الشخصيين تمكنوا من قتل واحد من القتلة وإبعاد الآخرين، ملحقين الإصابة بصدام.
أخيراً، تدبر صدام طريقه للهرب إلى سوريا ومنها إلى مصر، حيث قضي ثلاثة أعوام يشارك في المناقشات السياسية، ومنتظرا العودة للعراق.
تمكن البعث في النهاية من الإطاحة بقاسم في عام 1963م ولكن فقط عن طريق قوى جمعت إلى بعضها مع مجموعة من ضباط الجيش من بينهم شريك سابق لقاسم في انقلاب 1958م العقيد عبد السلام عارف، مع بروز البعث إلى المقدمة، رجع صدام للوطن كأحد أتباع أحمد حسن البكر.
مع ذلك، كان حزب البعث في حالة رثة لا تعينه على حكم العراق ولم يكد ينقضي قليل وقت على استيلائه للسلطة في بغداد حتى انغمس جناحا الحزب (اليساري واليميني) في الصراع فيما بينهما، تاركين للبكر محاولة التهدئة التي لم تنجح.
وسمحت الانقسامات داخل البعث للعقيد عارف بالانقلاب عليهم وتطهيرهم في العام التالي.
بينما كان ما حدث صدمة بالنسبة لحزب البعث، فقد كان طرده من مصلحة صدام.
جرى تطهير الأجنحة الراديكالية للحزب، وبرز البكر كزعيم للبعث الجديد،
يده اليمنى صدام، يعتمد عليه البكر في العمل دون كلل وتنفيذ كل ما يطلب منه.
قضى صدام عامين في السجن نتيجة عمله لصالح البكر.
اليسار الأمريكي
اليسار الأمريكي ينظر بعين الشك والريبة لمخططات الإدارة الأمريكية.
ويقول أحد المحللين المعارضين: «يتضح جليا أن اجتياح العراق قد يكون عبارة عن حرب احتلال ونهب إمبريالي، كما أنها سوف تؤشر إلى بداية حقبة جديدة من الاستعمار، والتي سوف تحاول الولايات المتحدة فيها أن تستغل تفوقها العسكري للهيمنة على مناطق النفوذ حول العالم، وتخضعهم لإملاءاتها ومؤسساتها وبنوكها حول العالم»!!.
ويرى مفكرون أمريكيون أن بروز وجه الإمبريالية بهذه الصورة لهو عبارة عن إثبات براءة تاريخية لتحليل أعداء الرأسمالية المعاصرة، وإنه لمن المناسب لكل المعارضين لصور الاحتلال القمعي وبالطبع المعارضين للدكتاتورية، ولكل المراقبين للسياسات الدولية أن يقوموا بدراسة أو بالأحرى إعادة دراسة ما عبر عنه المعارضون للرأسمالية سابقاً بالقول إن: «الإمبريالية: أعلى مراحل الرأسمالية».
واليوم يعتبر هذا الوصف كما يرون بمثابة تحليل قيم للسياسات الأمريكية المعاصرة وسياسة واشنطن الخارجية.
ويثيرون هذا التساؤل: هل الرأسمالية كما يقولون هي فعلا امبريالية و«إقطاعية، نهابة، سالبة لثروات الأمم»، وإنها تشن حربا «من أجل تقسيم العالم، ومن أجل تجزئة وإعادة توزيع المستعمرات بغرض بسط مناطق النفوذ لرؤوس الأموال».
يقول أحد الكتاب الأمريكيين إن «الرأسمالية نمت وانتشرت في النظام العالمي في مناخ من القمع الاستعماري، وعلى هيئة خنق اقتصادي للغالبية العظمى من شعوب العالم من قبل حفنة من الدول المتقدمة».
يعتقد محللون سياسيون معارضون للغزو أن هذه الكلمات تنطبق تماما على الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة في العراق، ومن ثم يرون أن الطرق التي تتبعها الولايات المتحدة في شن الحرب سوف تتفق بالضرورة مع أهداف هذا الهجوم؛ وفي مقدمتها التعامل بصرامة مع كل من يقف في طريق المصالح الأمريكية.
وفي معرض تحليلات جريدة النيويورك تايمز لخطط الولايات المتحدة، كانت هناك جملة تم إخفاؤها عن عمد بين سطور إحدى المقالات، وكانت تشير إلى أن الولايات المتحدة وحلفاءها «يتحتم عليهم أن يتحكموا في ثاني أكبر المصادر البترولية المعروفة على مستوى العالم، والتي تمثل 11% من إجمالي الاحتياطي العالمي».
وتحويل العراق إلى محمية أمريكية وقاعدة عسكرية سوف يضمن وصول المليارات إلى الحسابات البترولية التي تديرها أمريكا، مما سيسمح للرأسمالية الأمريكية أن تمسك بخناق مصادر البترول العالمي، ثم تخطط إلى مرحلة مستقبلية من التعامل ضد الدول الغنية بتروليا الأخرى وفي النهاية ضد روسيا والصين.
أما فيما يتعلق بحلفاء أمريكا في أوروبا واليابان، فإن سيطرة الولايات المتحدة على العراق تهدف إلى تلاشي أي أمل لديهم في أن يتحدوا التفوق الأمريكي، وذلك بتوريطهم أكثر في الاعتماد على الأمريكيين فيما يتعلق بإمداداتهم البترولية، وذلك سوف يؤدي بالطبع إلى عدم قبولهم دور الدول الثانوية التابعة.
وبهذه الطريقة فإن حرب الولايات المتحدة على العراق سوف تزيد من عمق الخصومات المتبادلة بين الدول المتقدمة، مما سوف يدفع إلى نمو الصراعات العسكرية والنزاعات المسلحة من أجل السيطرة على المصادر والأقاليم والأسواق الاستراتيجية.
إن تحركات الولايات المتحدة سوف تدفع العالم كله إلى حافة الحرب العالمية الثالثة.
النخبة السياسية المتحالفة في الولايات المتحدة لا ترى كما يقول المحللون المعارضون للغزو لا ترى الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين إلا كنسخة معدلة من الإمبراطورية الرومانية، وهذا يفسر على حد قولهم إلى حد كبير ذعر السياسيين من الحزب الديموقراطي من الاصطفاف خلف دوافع بوش وخططه من أجل الحرب.
ففي نفس اليوم الذي أعطى فيه رجال الكونجرس من الحزبين التخويل التام لبوش لشن الحرب كان المتحدثون باسم البيت الأبيض يوضحون خططهم من أجل إنشاء دولة أمريكية بوليسية في الشرق الأوسط!!.
وقد أفادت التقارير وفقا لهذه الشريحة من المثقفين الأمريكيين أن مسؤولي إدارة بوش يدرسون فترة احتلال ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية استعداداً لغزو العراق.
إن خطط واشنطن من أجل فرض «تميمة السلام الأمريكية» سوف تقابل بمقاومة ضارية، وسوف تكون من الجماهير العراقية نفسها قبل الجيش، وسوف ينضم إليهم مئات الملايين من آسيا وأفريقيا، من تلك الشعوب التي لا تنوي بحال من الأحوال العودة إلى عهد الرق والاستعباد.
إن الحرب القادمة سوف تفرق المجتمع الأمريكي إلى أقطاب بصورة لم يسبق لها مثيل منذ عقود، وبوش يدعي أنه يتحرك باسم الشعب الأمريكي، وهذا كذب محض؛ فإن الغالبية العظمى من الشعب لا تريد هذه الحرب، وغير مستعدة للتوقيع على مذبحة للعراقيين بالنيابة عن شركات الاحتكار البترولية.
إن الحرب القادمة على العراق سوف تؤشر إلى ظهور انقلابات سياسية واجتماعية داخل الولايات المتحدة، وسوف تؤدي إلى تحول جموع عريضة من الشعب إلى معارضين للحرب ولعدم المساواة والقمع.
.....
الرجوع
.....
|
|
|
|