| |
هذرلوجيا أقبض من دبُش سليمان الفليح
|
|
* عاد إلى غرفته الصغيرة الضيقة التي تقع ضمن حوش كبير يستأجره العمال المغتربون في إحدى الضواحي التي تقع على هامش العاصمة، كان (مهدود الحيل) لكثر ما صهدته الشمس وهو يعمل في بناء المجمع الكبير الذي يعود إلى أحد أثرياء المدينة، لم يغسل يديه المتشققتين من خلطات الأسمنت ولم يخلع حذاءه الثقيل بل ألقى بنفسه كالقتيل على سريره المهترئ وأخرج من جيبه هاتفه الجوال الذي اشتراه (مرغماً) ليتمكن من الاتصال بأمه المريضة التي تعاني من سرطان الدم في بلاده البعيدة. وضع الجوال على (الصامت) وراح يفكر في الديون المتراكمة التي وضعها على عاتقه في سبيل علاج أمه قبل أن يحصل على (فيزا) للعمل في المملكة والتي كانت تشكل له الحلم الكبير بالثراء وسداد الديون وعلاج أمه وبالتالي الزواج من فتاة أحلامه التي تركها تعد الأيام (بانتظار غودو) الذي سيخطفها على حصان أبيض ويحملها إلى نعيم الحياة، تذكر أنه لجأ إلى بيع أبقار العائلة ليحصل على (الفيزا)، كان حينما وصل إلى المملكة قبل ثلاثة أعوام قد قرر أن يعمل ثلاثة أعوام فقط ثم يعود إلى تحقيق مشاريعه الصغيرة. إلا أن الأيام أخذت تمتد أمامه وأصبح الأمل مثل جزرة حمار جحا التي علقها بالعصا وجعلها تتدلى بخيط أمامه ليبقى الحمار يمارس الجري للحصول على الجزرة ولكن هيهات.. تذكر هذه الصورة الحزينة بسبب صعوبة تكاليف الحياة وأمور أخرى أخذت تنأى بالأحلام، ولكنه فطن إلى أنه عليه أن يغفو بعض الساعات لينهض مع بشائر الفجر ليواصل درب الكفاح، ثم راح يغط في نوم كنوم السلاحف من شدة العياء ووطأة الهواجس وما تناهبته من كوابيس. *** في الصباح نهض كالحصان الجميل (وضم) هاتفه الجوال، وقبل أن يغسل وجهه راح يقرأ الرسائل الواردة إليه عبر الجوال ثم راح يقرأ: * مبروك لقد ربحت مليون ريال اتصل على رقم (...). * مبروك لقد حصلت على جيب لاندكروزر موديل (2006). * شركة mp.c تمنح كل متصل (5000) ريال بدون سحب. * لقد ربحت (100.000) ريال طابق رقمك لتأكيد جائزتك اليوم. * المذيع بانتظارك ليقدم لك (10.000) ريال فوراً على الرقم (...). *** أصيب بدوار فظيع لشدة الفرح وفظاعة الدهشة ثم ركض إلى أقرب بقال ليشتري بطاقة (سوا) للاتصال بتلك الأرقام التي حققت له أحلامه دفعة واحدة، ثم تناول البطاقة وراح يتصل بالأرقام تباعاً والتي أخذ المتكلم على الطرف الآخر يطيل الحوار معه ليدخله إلى الأسئلة وما إليها، وكلما انتهت بطاقة (سوا) ذات الـ(50) ريالاً هرع ليشتري بطاقة أخرى وهكذا أخذ يواصل الاتصال مع الرقم الذي أمَّله بالحصول على المليون ثم بالشركة التي تمنح كل متصل (5000) ريال، ثم بالرقم الذي يبارك له بالحصول على (الجيب) والذي أنهك منه الجيب (!!). ثم أخيراً بالمذيع الذي ينتظره وهكذا أنفق العامل المسكين سحابة يومه غير عابئ بالمقاول الذي ينتظره منذ الصباح. وبالطبع حينما يئس من الحصول على المليون والجيب والمذيع الرجال اكتشف أنه وقع ضحية للنصب على الهواء واكتشف أنه قد صرف راتبه الشهري على تلك الاتصالات!! ولكن كما قيل (أقبض من دبُش!!).. على فكرة ما معنى (دبُش)؟!
|
|
|
| |
|