Al Jazirah NewsPaper Wednesday  01/10/2008 G Issue 13152
الاربعاء 02 شوال 1429   العدد  13152
قليل من التأمل في التسلل والتسول
د. عبدالرحمن بن سليمان الدايل

كثرة تلك الأرقام والإحصاءات التي تطالعنا بها الصحف ونمر عليها مر الكرام دون أن نقف إزاءها نحلل مُعطياتها ونستنبط دروسها، ونستفيد مما تحويه من دروس وعبر وتلك مأساة في حياتنا إذا ارتبطت تلك الأرقام بحياتنا الاجتماعية، وسلوكنا كمواطنين نحو بعض المظاهر التي أصبحت تسيء إلينا، بل وتسيء إلى أمن وطننا، وأعني بذلك هنا تلك الأرقام المخيفة التي تقول إنه قد تم ضبط ما يصل إلى ثلاثة وثمانين ألف متسلل خلال شهرين وأن قوافل المتسللين لا تتوقف محاولاتها كلما أفشلتها الجهات الأمنية الساهرة على أمن الوطن والمواطن.

ولن أستفيض هنا في بقية الأرقام مع أن الأمر جدُّ خطير، فهناك جهود متواصلة تبذلها جهات الاختصاص للوقوف سدّاً منيعاً أمام محاولات التسلل التي لا يخفى على أحد مخاطرها ومساوئها الأمنية والاجتماعية، ولعل المتتبع لظاهرة التسلل يدرك ببساطة تلك الصلة الوثيقة بين التسلل والتسول، وليس ذلك في تقارب اللفظين فقط بل في الممارسة والنتائج والتطبيق، فالتسلل مدخل أصيل للتسول الذي صار ظاهرة سيئة تشكو منها شوارعنا ومساجدنا التي تشهد وبكل أسف تلك الفئات التي تُتقن مهنة التسول ومدِّ اليد من غير حاجة إلا باندفاع وحافز ممن يقفون وراءهم مبتزين ومخططين ومستفيدين من طبيعة أبناء المملكة الذين يحرصون على فعل الخيرات وبذل الصدقات من منطلقات إيمانية بحتة، فما بالنا إذا كان السائل المتسول قد تم تدريبه مسبقاً على الكلام الفصيح والسجع الصحيح الذي يستدر به العطف ويستميل به القلوب ويبتز به الأموال، ويستخرجها عن طيب خاطر من المتصدقين الذين تعودوا أن يشاهدوا بين الحين والآخر أولئك المتسولين يستعطفونهم داخل المساجد بشتى صور الاستعطاف المصنوعة، التي ترق لها القلوب وتتسارع نحوها أموال الرحماء وقلوبهم، حتى إذا استغفل المتسولون تلك القلوب وابتزوا تلك الأموال عادوا إلى طبيعتهم بعيداً عن أعين الناس ثم مارسوا هذه المهنة الرذيلة في مكان آخر ثم عادوا في شكل جديد وبحيلة مبتكرة، وخداع غير متوقع.

إن أولئك المتسولين الذين تزدحم مكاتب مكافئة التسول بقصصهم وسبل خداعهم يستدرون العطف ويخدعون المواطنين بشتى الحيل ومختلف الصور والأساليب التي أتقنوها والتي تتناسب مع كل متسول طفلاً كان أم رجلاً أم امرأة، حتى يُخيل لك أنك أمام عصابات منظمة يقف وراءها مخططون على دراية كاملة بما يسعون نحوه من أهداف دنيئة ولم لا والأرقام تشير إلى أنه قد تم ضبط أكثر من سبعمائة مهرب حاولوا الدخول ليعبثوا في البلد فساداً والمعلومات المنشورة تقول إن عصابات التهريب تركز جهودها في تهريب الأطفال ذوي العاهات والأمراض المستعصية، وأيضاً على ذوي القدرة والفصاحة لاستدرار عاطفة المحسنين وفاعلي الخير في المساجد والمؤسسات الخيرية ولدى التجار وغيرهم، كما أن النجباء سريعي الفهم والتعلم هم أهداف أساسية لزعماء عصابات التهريب الذين يديرون أعمالهم الخبيثة من خلف الحدود، ومن وراء ستار، وهذه هي الصلة القائمة بين التسلل الذي تخططه العصابات في خفاء وبين التسول الذي نشهده على أرضنا وتتزايد خطورته كل يوم على حياتنا وعلى أمن وطننا.

إن المشكلة تتزايد حدتها كلما وجد المتسولون تعاطفاً مع المواطنين الذين لا يدركون حجم المشكلة وتغيب عنهم خطورتها وما تحمله هذه الظاهرة من سلبيات عميقة الأثر على أمننا واستقرارنا إذا لم تتعاون كافة الجهات المعنية في الوقوف أمام تلك الحملة الشرسة التي تستغل مواصفاتنا وطبائعنا في الكيد لنا وتصدير الشرور إلينا.

إن هذه الحملة تزداد ضراوتها في شهر رمضان الكريم مستغلة أنه شهر البر والكرم والإحسان لتكثف من أعمالها وترسخ من وجودها في شوارعنا ومساجدنا حتى تصبح واقعاً حياتياً في رمضان وبعده. فهل نترك الأمر هكذا حتى يستفحل؟ أم نكتفي بحملات المقاومة والمكافحة المؤقتة لهذا المرض الخطير الذي لا يلبث أن ينحني أمام الجهود المؤقتة ثم يعاود نشاطه المذموم بصورة أكبر أو بأساليب أذكى من الابتكار والدهاء؟

لم يعد الأمر في حاجة للمهادنة أو يسمح بالحلول غير الجذرية بعد أن أصبحت بعض العمالة الوافدة تجد في التسول وسيلة مناسبة لها للثراء السريع، وبعد أن صارت حدود بلادنا مصدراً للمتسولين على الرغم من كافة ما يبذل من جهود.

ألا يحتاج الموقف الآن لحملة وطنية مكثفة ومتواصلة تشارك فيها كل جهة ذات صلة وعلاقة من أجهزة الأمن والثقافة والإعلام والشؤون الاجتماعية والجمعيات الخيرية ووزارة العمل وقبل ذلك وبعد مساجدنا التي تستطيع أن تكثف من توعيتها للمواطنين ليدركوا حقيقة المتسولين ويفرقوا بينهم وبين أولئك الذين (لا يسألون الناس إلحافاً).

لقد حان الوقت للعمل حتى لا يُساء إلى أمننا جراء محاولات التسلل وأخطار التسول.

-وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام - سابقاً



 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد