يخيفني ويؤلمني كلما وقعت عيناي على خبر عقوق (شاب) لوالديه، أيا كان العقوق، إن كان (هجراً) أو (ضرباً) أو (قتلاً) والعياذ بالله، وهذه الأخيرة هي الطامة الكبرى.
فمثل هذه الحالة النادرة الغادرة تضاعفت في الآونة الأخيرة، على المستوى المحلي والعربي، حسبما تطالعنا به الصحافة مبينة هذا (الجرم) الفادح الفاضح، الذي ابتُليت به بعض (الأسر) على يد أحد أبنائها، والمتضرر الأكثر (الأمهات).
الأم، الولود الودود المرضعة المربية، هل يكون يا ترى هذا جزاءها؟! وممن، من فلذة كبدها؟!! وقد حملته وهناً على وهن، مزهوة به ترعاه بدمها ودمعها، صغيراً تحنو عليه في فراشه وتبسمل وتحوقل عليه في صحوته، وتقرأ أورادها عليه في منامه، وتخشى عليه من نسمة هواء ولفح هجير، وتدثره بأرديته، وإذا مرض دأبت السهر عليه حتى يسترد عافيته، ترعاه كما يرعى (الفلاح) غرسته، وحين يشب عن الطوق ويكبر تفرح لفرحه وتغضب لغضبه، وترى الدنيا من خلال عينيه، أليس هو وليدها معتبرة إياه الدرع الحصين لها لتتحصن به من نائبات الليالي.. إنها (الأم)، فيا أيها المؤمنة إن الله هو الحصن الحصين سبحانه وتعالى.
إن شرائع السماوات والأرض كفلت حق الوالدين، وقد قال أعز من قال في محكم كتابه الكريم {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُف وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}(23-24)سورة الإسراء صدق الله العظيم.
وفي رواية أنه جاء أعرابي للرسول صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال من أحق الناس إلي يا رسول الله؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أمك. قال ثم من؟ قال أمك. قال ثم من؟ قال أبوك. ثلاث مرات يرددها الرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم في حق (الأم) والله أعلم.
فمن يا ترى أحق بالرحمة والرأفة، أليس هم (الوالدين)، فمن لم يكن بقلبه رحمة ورأفة لوالديه فليس في قلبه ذرة من الرحمة لإخوته وأقاربه، فيا أيها الإنسان كن رحوماً رؤوفاً بوالديك؛ لكي تنال رضاهما، ويرحمك الله ويحفظك، إنه خير الحافظين.
ونحن إذ نتضامن مع (الأم) في حقوق الأمومة فإننا نتضامن أيضاً مع حقوق الأبوة، فإذا كانت (الأم) هي العنصر الفعال في تربية الأبناء، فإن الأب هو من يكدح ويمنح من سبل كدحه المال والخير الوفير لأبنائه لكي يهيئ لهم حياة كريمة، وما بين (الأم) و(الأب) تحدث أحياناً فيما بينهما الفجوة والجفوة، وهنا تكون (الكارثة) إذا انفرط عقد الرباط (الأسري) فحل الخصام والانفصام وتفككت (الأسرة) فيبقى الأبناء في حالة من الضياع والتيه، ولم تعد هناك السلطة الأبوية المانعة الرادعة، في الحد من تصرفات الأبناء؛ ما يكونوا عرضة للانحراف، وقد سمعنا عنهم من القصص المؤلمة ما يدمي القلوب.
وإن (الأسرة) متى كانت متآلفة ومتحابة ومتفاهمة فيما بينها تحل مشاكلها في الضراء والسراء؛ فهي الأسرة السارة المتماسكة الطيبة، كالشجرة الطيبة التي فرعها بالأرض ورأسها بالسماء.
وطالما أخذنا الحديث عن (الأسرة) وهي التي منبع الجيل (الناشئ) فإننا يجب أن نذكر الآباء والأمهات بأن (الدلال) الزائد عن حده، و(العنف) الأسري، هما الركيزة الأساسية في تكوين سلوكيات الأطفال، بمعنى حينما يتربى الطفل على (تدليل) أبويه له فسيصبح عالة عليهما في تدني سلوكياته في تعامله ما بين المدرسة والبيت وتعامله مع أقرانه، والمثل يقول (من شب على شيء شاب عليه)، فهو يعتبر في قريرة نفسه أنه يحق له امتلاك كل شيء بالفلوس المغدقة عليه، وكثيراً من الشباب الذين لم يحسنوا التصرف بهذه النعمة المغدقة عليهم ونتيجة تصرفهم السيئ ارتدت عليهم نقمة لمآرب أخرى، كالمخدرات التي هي آفة العصر، وربما في حال افتقادها لا يتورعون عن استخدام (العنف)، وهاهو الذي حاصل في استخدام (الخصال) الحادة حالياً في قتل الأمهات والآباء. ومن ناحية أخرى (العنف الأسري) كالضرب والحرق بالنار والحبس والربط بالحبال والتعليق والوعيد والتهديد يجعل ندوباً غائرة في قلوب الأطفال قبل أجسادهم لا يمكن نسيانها من قبلهم، وما يترتب على ذلك من سلوكيات تتسبب في القسوة والصرامة ولا يتورع من استعمال العنف مع أقرانه، فطالما عومل بهذا الشكل فسيعامل الغير مثلما عومل به. وهذه ليست نظرة تشاؤمية ولكنها الحقيقة المرة، التي طالعتنا بها الصحف، وقد مات من الأطفال الكثير نتيجة (العنف الأسري).
وإنني أتساءل: ما هي الجهة المعنية بدراسة أحوال (الأسرة) لكي تدرس وتخفف من هذه الحالة المزرية التي تهز المجتمع خيفة، كلما كانت هناك حالات عنف أسرية سقط بها أطفال في عمر الزهور. وينتصب السؤال أمامي ثانية: ما هي الجهة المسؤولة عن دراسة أوضاع الأسر؟! ومَن ينبري لهذا الجواب؟ لا أدري!!
أعتقد والله أعلم أن (شؤون الأسرة) من اختصاص (وزارة الشؤون الاجتماعية) مثلما هو حاصل بدول العالم؛ فهناك إدارات تعتني بشؤون الأسر بهذه الدول وتساعد في دراسة المشاكل وتذليل العقبات التي تعترض شؤون الأسر، وكثيراً ما نجحت في استخلاص الدروس والعبر، وكانت النتائج طيبة لديهم. فيا ليت لو تكرمت وجندت أخصائياتها، فضلاً عن أخصائييها الاجتماعيين، لدراسة مثل هذه الحالات الأسرية؛ حيث يجب الوقوف على كيفية تعاطي الأساليب التربوية بين الأسر وأبنائها. فربما ينتج لنا أشياء يتم تداركها ومعالجتها والقضاء عليها؛ فإنها حالة مخيفة ومفزعة معاً.
فنأمل إذا كانت هناك إدارة لدينا تعتني بشؤون الأسرة فإنه يجب إضافة هذه الحالة الظاهرة في دراسة أحوال الأسرة والوقوف ميدانياً على أحوال هذه الأسر، مسبوقة بمطويات تعليمية إرشادية وكتيب صغير، مبينة هواتف الوزارة، مادة يد المساعدة في وضع الحلول للمشاكل الأسرية.. فما على هؤلاء الأسر إلا الاتصال بأخصائياتها وأخصائييها وسيتلقى المتصل كل الدعم والعون، وبهذه الطريقة تكون الوزارة أسدت خدمة جليلة وجميلة للمجتمع.
twarin.h.l@hotmail.com