Al Jazirah NewsPaper Wednesday  01/10/2008 G Issue 13152
الاربعاء 02 شوال 1429   العدد  13152
بين الفكر والذكر
صلاح سعيد الزهراني

على مائدة الإفطار وقبل أن يصدح المؤذن بالنداء، جلست اتطلع إلى ما فوق المائدة من طعام وشراب، وحمدت الله على ما نحن فيه من رغد العيش، وتذكرت كيف كنا في الماضي وكيف كان الآباء والأجداد قبل قرابة نصف قرن أو يزيد، وكيف يحول الصيام بيني وبين أن أفرغ في جوفي بعضا من الماء البارد يذهب الظمأ وتبتل به العروق ويثبت به الأجر إن شاء الله، نحمد الله على التوفيق للطاعات وأسأله لي ولكم القبول إن شاء الله، وأمسكت بتمرة بين أصابعي وانتظرت، وبينما أنا على هذه الحال، ولم يبق إلا القليل من الثواني ليرفع النداء، وتنال النفس ما تمنى، تذكرت مرارة الفقر، وعيش الفقراء الذين لا يملكون من متاع الدنيا إلا القليل تذكرت شيئاً من حكمة الصوم هو (الشعور بحاجة الفقير).

الفقر هو قلة ذات اليد، شح في الموارد أو قلتها في مواجهة احتياجات متعددة وممتدة، وقد تعودنا على الاستعاذة منه (اللهم إنا نعوذ بك من الكفر والفقر ونعوذ بك من عذاب القبر لا إله إلا أنت).

ومن مأثور القول: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) فمع الفقر يضيق الصدر، وأمام الحاجة قد يركع الكثيرون لغير الله عز وجل، وذلك نتيجة لضعف إيمانهم وعدم توكلهم على الله والأخذ بالأسباب في صبر وأناة.

خلق الله عز وجل الدنيا وأودع فيها أسبابها، من أخذ بالأسباب تحصل على النتائج، من جد وجد، ومن زرع حصد، والسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة، لكن الله عز وجل يقول: {وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ}، وقد كررها في مواضع كثيرة والتكرار هنا للتوكيد مثل قوله تعالى: {إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} وقوله: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

ورغم أن الله عز وجل كتب على نفسه الرحمة، إلا أنه جعل الدنيا دار ابتلاء، كما جاء في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.. فمن يصبر على الابتلاء ينال الجزاء، ومن يثبت على جادة الصواب يكون قد نجح في الامتحان فيثبت له الأجر: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}.

وتذكرت قصة قصها على أحد الرفاق إذ يقول لي بين العبد وبين رزقه أن يسعى، فالرزق يسعى أيضا إليه.

يحكى أن رجلا رقيق الحال لا يجيد القراءة والكتابة لا يجد عملاً، ضاقت به الحال فلجأ إلى أحد أقاربه يسأله العون وكان تاجراً، فأرسله إلى أحد المشايخ لعله يعينه بتحقيق رغبته، سأله الشيخ ما حاجتك، قال أريد عملاً أكسب منه الرزق ويعينني على الحياة، فلم يجد له عملا سوى حارس مقبرة، وفي نهاية الشهر جاءه الشيخ ليؤدي له الراتب، وسأله: هل تعرف القراءة والكتابة، قال الرجل: أنا رجل أمي، فرد عليه الشيخ: لا عمل لك لدينا فالقراءة والكتابة من ضرورات العمل.

وعاد الرجل الأمي إلى قريبه التاجر يشكو له فصله من العمل الذي التحق به وكان يأمل أن يكون عونا له على الحياة، فتبسم التاجر قائلاً له، لعل الله قد ادخر لك ما هو أفضل، ومنحه بعض المال قائلاً له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تسعة أعشار الرزق في التجارة)، وهذا المال على سبيل القرض الحسن، إن استطعت فرده وإلا فهو صدقة.

خرج الرجل وتوجه إلى السوق وعمل بالتجارة، وفتح الله عليه أبواب الدنيا، وتدفق عليه الرزق واتسعت تجارته، وفي يوم من الأيام جاءه المحاسبون بالسجلات والدفاتر يعرضون عليه ما تحقق من إيرادات وأرباح، فأزاح بيده الدفاتر من أمامه قائلاً لهم: ألا تعلمون أني رجل أمي (فأصيب الجميع بالدهشة وقال أحدهم: إذا كانت هذه حالك وأنت رجل أمي، فكيف يكون الحال لو كنت تقرأ وتكتب، فرد عليهم الرجل قائلاً: لو كنت أقرأ وأكتب لكنت حارسا للمقابر حتى الآن).

فانظر أخي المسلم كيف يسوق الله الأسباب للعبد ليحصل على ما كتبه له من رزق، قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.

- الرياض


alkatbz@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد