يتكون موضوع مقالي لهذا الأسبوع وأسابيع أخرى من وقفات تأملية لوجوه عدد من النساء بالمجتمع. قد يأتي بعض هذه الوقفات بأسلوب قصصي مكثف، أما بعضها الآخر فقد يجيء على طريقة شفرة الومضة، أو على هيئة سرد (أثنوجرافي) أو قراءة تحليلية أو مجرد صورة سيسيولوجية.
إلا أن ما يربطها جميعها أنها محاولة لرسم شموس صغيرة تمشي على الأرض بيننا دون أن نشعر مع الأسف بوجودها أو نلحظ بصماتها الفريدة على حياتنا. ونحن نمارس مثل هذا التجاهل إن لم يكن الجهل برهجة هذه الوجوه إما لفرط ما تعودنا عليه إلى درجة أن أصبحت بطولاتها وفتنتها نوعاً من المسلَّمات التي نستسلم فيها لكسل البصر أو نفعله لفرط ما فرطنا في ملكة التأمل أو ما ضيعنا من الإحساس بالجمال. هذا إذا لم يكن في مثل هذا الموقف نوع من التواطؤ للإمعان في تغطية وإخفاء وجوه النساء. من هنا تأتي محاولة النحت في مشراق وجوه عدد من النساء لعلنا باللعب على مفاتيح الكمبيوتر في وضح النهار ننجح في مشاغبة العتمة برشقة ضوء. وهذه الوقفات بدون تتابع تسلسلي كالآتي:
دينا الجودي
وقفة الضوء الأولى أسميها إشراقة دينا الجودي. ودينا لمن يعرفها فراشة من قطر الندى، فجر شفيف يبتدئ به النهار، تصحو المخلوقات من نومها على ترنيمة ماء وضوئها لتسبح الأشجار والطيور والغيوم وحبال الغسيل وأقلام الكتابة والسراب والسواقي والفلوات لبديع السماوات والأرض وتشاركها ابتهالات صلاة الصبح. تبدد دينا الجودي بهلّة وجهها الهلالي فلول ظلام الليلة السابقة فينطلق نور النهار في أحياء الرياض يفتح بوابات الجامعات والمتاجر، يشرع النوافذ لهواء نقي, يجدل ضفائر بنات المدارس ويطلق ضحكة الأطفال لتشعتل بوارق الأمل. أما دينا الجودي لمن يعرفها فهي تلك الفتاة الحليبية الحالمة التي تخرجت من أحد الثانويات لتلتحق بجامعة الملك سعود طالبة مفعمة بمطر المستقبل. لا بد أن تلك المعيدة بقسم الدراسات الاجتماعية بالجامعة في الثمانينات الميلادية كانت حليفة حميمة للحظ لتكون دينا الجودي طالبتي في ذلك العمر المبكر من تجربتي بالعمل الأكاديمي. كنت أقدم مقرر النظريات الاجتماعية ومجتمع عربي سعودي ومقرر الإحصاء الاجتماعي، فكان لي أن أشارك دينا وباقة من زنابق زميلاتها طاقة حب الوطن وموهبة.
السير على طرق معرفية لم تكن معبدة بعد إلا بالإرادة وتحدي الشباب. لعل دينا ودفعتها الجامعية كانت من أوائل دفعات خريجات قسم الدراسات الاجتماعية من مركز الدراسات الجامعية لكليات العلوم الإنسانية التي أتيحت لها الدراسة الجامعية عن طريق الانتظام وليس الانتساب كما كان الأمر في بداية فتح أبواب جامعة الملك سعود للبنات. ولعل دينا من دفعات الطالبات التي درست بنظام الساعات وليس بنظام الدراسة السنوي كما آل الأمر إليه بعد مرحلة قصيرة من تطبيق نظام الساعات. ولعل تلك الفترة التجريبية الأولى من عمر التعليم الجامعي للبنات هي ما أعطت دينا وعدداً من بنات ذلك الجيل الطلابي روحاً منفتحة على المجتمع بعد التخرج. وإذا كان طموح دينا الجودي الدراسي لم يتوقف بها عند درجة البكالوريس, وواصلت تسلق هملايا العلم, فإن حس المغامرة المعرفي مقترناً بحس الانتماء الوطني هو الذي لا بد أخذها من يدها الطرية التي كانت ما زالت مبتلة بحبر المرحلة الجامعية لتعمل وهي خريجة للتو في حقل كان يعد من الحقول المسيجة بشوك التحفظات الاجتماعية الراكدة حين قررت الالتحاق بالعمل الاجتماعي في مجال معالجة الأوضاع الاجتماعي للسجينات معالجة علمية. هل اكتفت دينا بتحقيق هذا الطموح؟!. لا، ليس بعد. لقد شاركت دينا في تأسيس ملتقى ثقافي شهري للسيدات: (الملتقى الأحدي)، وعملت بصمت الجندي المجهول وبنبله في دعم مسيرة هذا الملتقى ما يزيد على خمسة عشر عاماً ليشكل اليوم أحد الملتقيات الثقافية التي شاركت في منتدى الحوار الوطني للصالونات الثقافية. أكتب هذا الكلام عن دينا الجودي ليس لأنها حين كانت طالبتي طالما تبادلت معها دور الأستاذة والطالبة معاً، وليس لأن دينا أختي وصديقتي اليوم ما يزيد على عشرين عاماً. لا أكتب مجاملة لدينا الجودي؛ لأنه ليس في قاموس دينا مكان لمثل هذه المعيقات، كما أن ليس في تاريخي الكتابي أي سجل للمجاملات، ولكني أكتب لأن تجربة دينا العلمية والعملية والحياتية كامرأة سعودية تجربة كفاحية حية تلتقي مع تجارب قطاع عريض من نساء العالم في بساطتها وروعتها في نفس الوقت. وهي بهذا المقياس من التجارب النسائية والإنسانية التي تستحق أن يعترف بها المجتمع ويتعرف عليها العالم فلا تغيب بسبب تواضع أصحابها أو بعدهم عن الصخب الإعلامي لشدة انغماسهم في إنتاج الشهد.
***
إنني إذ أشرع في محاولة الحفر في مشراق النساء فليس ذلك مجاراة لموجة النشر ما بعد 11 سبتمبر في التلصص على حياة المرأة السعودية وكأنها مخلوق من كوكب آخر أو عنقاء متلفعة بالسواد، بل إنني بهذه المحاولة ربما أنقض ذلك الاتجاه لأكتب عن نساء سعوديات من لحم ودم ومن عقل ووجدان بينهن وبين نساء الأرض ورجالها مشتركات الملح والخبز والأحلام؛ فالمرأة السعودية تملك وجهاً مضيئاً، وتملك تجارب معقدة وسلسة في آن بما يستحق التسجيل مثلها مثلما يكتب اليوم في مجتمعات أخرى عن (التجارب اليومية للنساء) ككتاب (أمهات محاربات) أو كتاب إيزابيل الليندي عن النساء التشيليات أو سواها من نرجس وصبار النساء في مرآة الحبر أو الشاشة.
دعوة
على أنني مرة أخرى لا أستغني كما سبق ونوهت عن (الكتابة بقلم القراء)، فمن تجد أو يجد أن هناك بطولة نسائية يومية يريد أن تسجَّل شرط تزويدي بالاسم الصريح للشخصية المراد إدخالها في هذه الكتابة، فأرجو إرسالها لي ليجد نورها طريقاً للنور بنشرها في سلسلتي هذه.
ليس تماماً خارج النص
* الموقع الإلكتروني لسيدة سعودية:
www.saudilady.net،
هذا الموقع يمثل نقلة نوعية في تواجد النساء السعوديات عبر الفضاء الإلكتروني؛ فهو يتحدث عن إنجازات المرأة السعودية بالكلمة والصورة.
وإن كنت سأحاول أن يكون لي وقفة لاحقة مع هذا الموقع الجميل وكذلك مواقع إلكترونية جديدة أخرى جاءت بجهود تطوعية واعية لنساء سعوديات كالموقع الذي وصلني رابطه الإلكتروني من الدكتورة صباح عيسوي من جامعة الملك فيصل المهتم بالوضع الاجتماعي والتربوي للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة أو من تطلق عليهم أمي مسمى: (متحدي الإعاقة). رابط الرسالة الشهرية لموقع أطفال الخليج:/ http://gulfkids.com/vb
وهناك أيضاً موقع نسائي آخر جدير بالاحترام والتنويه، أنشأته مجموعة من السيدات السعوديات، وهو موقع من مطالبه تقديم صورة لا تستغل جسد المرأة في مرآة الفضائيات المرئية والفضاءات الإلكترونية. Alfadilah.org
هذا، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
Fowziyah@maktoob.com