غالبية الدول إن لم يكن جميعها على الإطلاق تفاخر بأية إنجازات تحققها على مستواها المحلي أو صعيدها العالمي، سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الصناعي أو العلمي أو غيرها من المجالات الحضارية، حتى أنها تستذكرها بشكل سنوي في أعياد استقلالها أو أيامها الوطنية، وتجعلها في رصيدها التاريخي الوطني الذي تعلمه لأبنائها جيلاً بعد جيل، والمملكة لا تختلف في هذا السلوك العالمي عن غيرها من الدول، خاصةً في مناسباتها الوطنية السنوية، لكن ما يعتبر فخرها الحقيقي ويُعبّر عن عظمتها الإسلامية ومكانتها العالمية هو (خدمة ضيوف الرحمن) التي تقدمها في مواسم الحج والعمرة المستمرة على مستويات التخطيط والتجهيز والتنظيم والتنفيذ والمتابعة والرقابة، حيث سخرت كل أجهزتها الحكومية وقطاعاتها العسكرية ووسائلها الإعلامية، وأنفقت الكثير من مواردها المالية، وإمكاناتها المادية لهذه الشعيرة الدينية وهذا الشرف العظيم، الذي يعد (شرف الدهر) عند عرب الجاهلية، فما بالك بالمسلمين منذ فجر الإسلام وحتى يومنا الحاضر، وإلى أن تقوم الساعة.
إذاً من الطبيعي أن نتبادل نحن السعوديين وغيرنا من أمة المليار مسلم، التهاني والتبريكات مع قيادة هذا البلد المعطاء وكبار مسئوليه التنفيذيين وأجهزته العاملة، ل(نجاح موسم الحج) هذا العام أو الأعوام السابقة، لأن هذا النجاح هو فضل من الله وعلامة خير على حسن العمل، كما أنه محفز لبلد التوحيد على المضي في خططه الإستراتيجية بخصوص الأعمال والإنشاءات الكبرى التي ينفذها في الحرم المكي والمشاعر المقدسة برعاية كريمة واهتمام خاص من خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله، فضلاً عن أنه رد عملي جلي نقله الإعلام بالصوت والصورة على كل من يشكك بقدرة السعوديين على عقد هذا المؤتمر الإسلامي العظيم، أو يقلل من حسن إدارتهم لهذا الموسم الكبير الذي يجمع أكثر من ثلاثة ملايين مسلم على صعيد واحد في أيام معدودة، فلقد تكاملت الأدوار وتوزعت المهمات وتحددت المسئوليات، فكان الجميع فريقاً واحداً يعمل بروح الجماعة المفعمة بالإخلاص والبذل في إطار خطة شاملة متناسقة، من تخطيط مسبق، وتجهيز متكامل، وتنظيم محكم، وتنفيذ متتابع في ظل أجواء روحانية يسودها الأمن العام والطمأنينة التامة، فتم تفويج ضيوف الرحمن بزمن قياسي وبانسيابية هادئة في مناطق المشاعر، التي خلت ولله الحمد من الأمراض الوبائية، ولم تسجل وقوع حوادث كارثية بفضل الله ثم توسعات الدولة السعودية ومشاريعها العملاقة في منطقتي الحرم والجمرات، يضاف إلى ذلك دور التوعية الإسلامية لوزارة الحج التي أسهمت في رفع مستوى وعي الحجاج منذ قدومهم المنافذ إلى وصولهم المشاعر، خاصة أن الحوادث التي وقعت في مواسم حج سابقة كانت نتيجة جهل بعض الحجاج وعدم تجاوبهم مع التعليمات التي تمنع الافتراش أو معاكسة خطوط السير أو التدافع وغيرها من ممارسات غير حضارية تشوه القيم السامية العظيمة للحج التي تؤكد النظام والانضباط ومراعاة حقوق الآخرين، ناهيك عن مخالفة الأنظمة من قبل الكثيرين الذين لا يلتزمون شروط الحج النظامية، وبالذات الحصول على (التصريح)، رغم التحذيرات المسبقة المعززة بآراء كبار العلماء.
أخلص إلى السؤال: ألا يدفعنا النجاح الذي لمسه الحجاج وشاهده العالم إلى أن نحافظ على حقنا في هذا الشرف العظيم الذي كرمنا الله به؟، وذلك بمؤازرة دولتنا العزيزة لتواصل عملها المتقن في خدمة ضيوف الرحمن، خاصةً أنها تؤدي دورها الرائد والفريد بالعطاء والبذل الذي لا تخدشه أية نزعة استثمارية إلا في تهيئة المكان والزمان ليقوم الحجاج بأداء مناسكهم على أكمل وجه، فهذا هو استثمارها الحقيقي وهدفها الأسمى من شرف الدهر.
Kanaan999@hotmail.com