من سمات الأعمال الناجحة، أنها متجددة ومتطورة، وهذا ما تجلّى في فعاليات مؤسسة الفكر العربي (فكر 7) الذي انعقد في القاهرة من 13 - 16 نوفمبر 2008 م، تحت عنوان (ثقافة التنمية)، ولما للتعليم من دور رئيس وفاعل في التنمية البشرية، وبناء ثقافة التنمية وترسيخها في وجدانات الشباب، فقد حظي التعليم بيوم حافل مثير، حيث نوقش في (مقهى التعليم) دور المدرسة في دعم التنمية، انطلاقاً من كون المدرسة المنبع الرئيس، والمنطلق الأساس في التطوير التربوي، وكانت بداية فعاليات مقهى التعليم مع الطفولة والأطفال، نظراً لما لهذه المرحلة من قيمة تربوية، وأهمية تعليمية عالية، ودور محوري في التكوين، ومن أجل بلورة تصور تربوي عن حاجات هذه المرحلة، طرح التساؤل التالي على طاولة الحوار في مقهى التعليم: ما الذي يتمناه الآباء في أبنائهم لكي يحققوا النجاح؟ تلا هذه الفعالية، فعالية مثيرة ومشوقة دارت حول الرحلة الفنلندية نحو التميز الأكاديمي، وهي رحلة استغرقت ثلاثين عاماً من الجهد الدؤوب، والعمل المتواصل، وفيها الكثير من الدروس والعبر، وفي مساء اليوم نفسه عقدت حلقة نقاش، استعرضت فيها وجهة نظر مديرة مدرسة ثانوية عليا من فنلندا، ومبادرات جديدة في الإصلاح التربوي من مصر.
في البدء أود التنويه عن إعجاب الحضور بفكرة المقهى، وإشادتهم بآليات الحوار الذي دار على طاولات المقهى وما تمخض عنها من استثارة واستدرار للأفكار، ومشاركة إيجابية فعالة من الجميع في مجريات العصف الذهني، وبأسلوب مبدع مميز، وكان من نواتج إسهام الحاضرين كلهم في المناقشة والمحاورة حظوة الموضوعات بطرح سيل عارم من الأفكار والمقترحات والمفاهيم، التي أغنت الموضوعات وتناولت كل جوانبها وإحاطة بكل تفاصيلها، مما أكسب الحاضرين خبرات جمى ومعرفة جلى، وخرجوا وقد أضافوا إلى خبراتهم واستزادوا بما يساعدهم على أداءات عملية أفضل وأنضج مما كانوا عليه.
وعن أمنيات الآباء في أبنائهم، شرق البعض، وغرب آخر، وكلٌ غنى على ليلاه، ويا ويلاه من غموض الأهداف، وغبش الرؤية، وتوهان الهوية، فقد سطر ما يربو على خمسين أمنية، وبقي في أوراق المتحاورين ومخيلاتهم أكثر بكثير مما ذكر، وعلى الرغم من أهمية هذه الأمنيات، إلا أنها كحاطب ليل، فهي أمنيات شتى، لا رابط بينها يجمعها تحت عناوين تشمل عناصر الشخصية وجوانبها الرئيسة، التي نتطلع إلى بلورتها في الأبناء، أجيال المستقبل، وعلى هامش المقهى دار حوار بيني وأحد الصحفيين حول ما نتمناه في أبنائنا من أجيال المستقبل، فأشرت إلى أن أمنيات تدور حول مجالات ستة رئيسة، تتشكل منها عناصر الشخصية لكل إنسان، وهي مجالات أفاض فيها وأجاد الأستاذ الدكتور الأديب الشاعر المربي أحمد البراء الأميري، في كتاب بعنوان (اللياقات الست).
ففي المجال الروحي: أتمنى أن يصل أبناؤنا درجة الكمال والتمام في استشعار محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم، لأنّ هذه المحبة سوف تفضي بالمحب إلى الانقياد والطاعة لكل ما أمر الله به، وتفضي إلى طاعة الرسول واتباع سننه.
وفي المجال النفسي: أتمنى أن يتحلى أبناؤنا بكل فضيلة تعينهم على التواصل والتعامل مع متغيرات الحياة ومستجداتها، وأن يتخلوا عن الرذائل التي تعوقهم عن النجاح في الحياة وإعمارها.
وفي المجال العقلي: أتمنى أن يتملك أبناؤنا مقومات إعمال العقل، ومهارات التفكير، لكي تنهض الأمة بإبداعاتهم واختراعاتهم ويزاحموا بها في المقدمة بين الأمم الأخرى.
وفي المجال الاجتماعي: أتمنى أن يتقن أبناؤنا فن التعامل مع الآخرين ومعاملتهم، مستلهمين هدي الإسلام الذي يهدي ويؤكد على بناء علاقات إنسانية قوامها المساواة والتسامح والعدل والتآلف والمحبة والأخوة.
وفي المجال البدني: أتمنى أن يتمتع أبناؤنا بصحة بدنية سليمة في بنائها وبنيتها، مسترشدين بالعادات الغذائية الصحيحة، والممارسات الرياضية التي تجدد حيوية الجسم ووظائفه.
وفي المجال المالي: أتمنى أن يعي أبناؤنا الأساليب والطرق الشرعية المشروعة لجمع المال وإنفاقه، وأن يوجهوا أنظارهم واهتماماتهم إلى الانخراط في الأعمال الحرة التجارية والصناعية والحرفية التي تلبي حاجات سوق العمل وتدفع عجلة التنمية، وأن يكون العمل في القطاع الحكومي آخر قائمة اهتماماتهم.
أجزم أنّ الأمنيات كثيرة، لكن الأهم أن تكون هناك رؤية لتحقيقها في أجيال المستقبل.