الأزمة المالية التي بدأت بشكل حاد في أمريكا، ثم انتقلت بصورة سريعة إلى القارة الأوروبية، ثم أدخلت اليابان في ركود لم تشهده منذ الحرب العالمية الثانية، وكبحت للمرة الأولى نمو الصين الذي تراجع كبقية النمور الآسيوية، وهزت الاقتصاد الروسي بشدة، لتصل الآن موجته الأولى إلى الدول النامية.
الأزمة الحادة قادت إلى تدخل سياسي حكومي مباشر في الأنظمة الرأسمالية من خلال وزارات ماليتها أو خزانتها. وسُمِّيت خطة الإنقاذ الأمريكية - مثلا - باسم وزير الخزانة الأمريكي، خطة (بولسون).
ومؤخراً أعلنت القارة الأوروبية عن 200 مليار يورو كخطة إنعاش، إنعاش فقط!.
وهي خطط لا تعالج الجذور، وإنما تعالج مظاهر الأزمة، وبالتالي لا يتوقع الخبراء أن تحدث الأثر المطلوب قبل عام على الأقل!.
لكن هذا ليس كل شيء؛ لأن انهيار الثقة - والتي أصبحت مفقودة الآن بين الدول والأسواق من جانب، وبين الأسواق والعملاء من جانب آخر، كما يظهر في أسواق المال بصفة خاصة - ستحتاج إلى سنوات لترميمها.
اقتصاديات الخليج هي الأخرى تواجه معضلة تتطلب منها أن تقوم بدور فعال لتوفير السيولة اللازمة، وسط خسائر وانهيارات متكررة للبورصات، وللتذكير فقد خسر رجال الأعمال العرب الأكثر ثراء 25 مليار دولار من إجمالي ثرواتهم بسبب تأثير اضطراب أسواق المال العالمية.
وأدت الأزمة المالية إلى خسائر بقيمة 350 مليار دولار في بورصات الخليج، ويتوقع المراقبون تواصل أزمة البورصات في 2009م.
الأكيد أن اقتصادات الدول الناشئة والدول الفقيرة بشكل مباشر، والتي تحاول اتخاذ خطوات بهدف إنقاذ وتدعيم اقتصادياتها، فيما تواجه أصلا مشكلة البطالة، هي أكثر عرضة للمخاطر تسبقها الدول المعتمدة على المساعدات والتبرعات الدولية، وسط توقعات للبنك الدولي بانتشار احتجاجات عنيفة إذا لم يستفد الجميع من الدعم والبرامج الاقتصادية الإصلاحية وليس لنخبة محدودة.
الأخطر عالمياً، هو استمرار الاقتصاد العالمي في أزمته طويلا، لأن ذلك سيعني أن الاضطرابات الأمنية ستتزايد في الدول التي ستعجز فيها الحكومات واقتصاداتها عن مواجهة الأزمة وآثارها الجانبية الحادة؛ لتكون مهددة بمخاطر إضافية قد تزلزل الأمن والاستقرار، يضاف إلى ذلك تراجع حجم المساعدات للدول الفقيرة وقصور متوقع من المنظمات الدولية غير الربحية في تقديم العون للمناطق المتضررة أو تلك الأكثر فقراً.
وهو ما ينشر مخاوف معلنة من حدوث مزيد من الاضطرابات المدنية كما حدث في اليونان، وإن اختلفت أسباب الشرارة الأولى.
إلى لقاء
nsarami@gmail.com