يجد البعض صعوبة بالغة في التفريق بين أن يبني بيتاً في فلسطين هدمته الآلة الظالمة الإسرائيلية وبين أن يدعو على إسرائيل بأن تبتلعها مياه البحر الأبيض المتوسط, لا يعرف البعض متى يبني ومتى يلعن, لا عن علة في البصر؛ فأعينهم ستة على ستة, ولا عن علة في السمع؛ فآذانهم تسمع دبيب النمل, ولا عن علة في اللسان؛ فألسنتهم تشهد بها الفضائيات, ولكنه تشويش في الذهن وتشويش في البصيرة وتشويش في السلوك.
العدو حالة ماثلة في كل زمان ومكان, ولا مجال لنفيها من الوجود باعتبارها سُنّة كونية, ولكن عندما تغيب الإشراقات الذهنية التي تقلب الموازين لصالح أصحاب الحق يغيب معها كل ما يمكن أن يعدل المسار, وعندما يتولى الأمر أولئك النفر الذين لا يفرقون بين أن يمسح دمعة طفل فلسطيني ويشعره بالأمان, وبين أن يشوه صورة قيادي سياسي, فإن الحالة تكون مزيداً من الفوضى ومزيداً من التخبط.
في لحظات من الزمن, وفي أوقات عصيبة منه, وفي ثوان حارقة, يكون الأهم والأكثر إلحاحاً بث حالة من الطمأنينة لأطفال فلسطين, وبث حالة من التفاؤل لأسرة فلسطينية وجدت منزلها ركاماً أمامها, وبث حالة من الطاقة الإيجابية في كل أنحاء غزة لتتدفق الحياة في عروقها وتعاود الأمل والحب والسلام.
قدرت الإحصائيات أن ثمة (10.000) منزل تضررت من العدوان الأخير على غزة, وهو عدد مفزع, فلو افترضنا أن متوسط ساكنيها ( 4) أشخاص فهذا يعني أن هناك: (40.000) شخص يملكون منازل تأثروا من هذا العدوان, والعدد بالطبع أكبر لو أخذنا في الحسبان سكان غزة كلها, يهمنا في هذه الوقت الحرج أن هذا العدد من الأشخاص يظلون يعانون من حالات نفسية متعددة: ربما إحباط, اكتئاب, هلع, قلق, انطواء, وذلك على مستوى الكبار والصغار والرجال والنساء, هذه الفئة من أهالي غزة هي التي تحتاج إلى أن نقف معها كحاجة ضرورية للخروج بها من أزماتها النفسية وبث الروح فيها مرة أخرى واستعادة منازلهم بصور أفضل مما كانت عليه؛ لأنه لا يعرف قيمة المنزل إلا من فقده فجأة فأصبح بين عشية وضحاها في العراء.
إن المليار الذي تبرع به الملك عبد الله بن عبد العزيز لإعادة إعمار غزة يعد التصرف الأمثل الذي يتطلبه الموقف الحرج الذي يعاني منه أهالي غزة, إنه الموقف الذي يمكن أن يستبشر به الأهالي هناك ويجبر به البعض مصابهم, ويخفف من آهاتهم ويعيد توازنهم النفسي, وترتفع به الآمال إلى أقصى درجاتها,حيث غزة المحطمة ستكون بعد أيام مدينة مشرقة بشوارعها وأبنيتها وأهلها. وتحديداً هذه اللحظة بالذات, في هذا البرد بالذات, في هذا الدمار بالذات .
إنه الموقف ذاته الذي وصف به ابن القيم الحكمة, قائلا: الحكمة هي: فعل ما ينبغي كما ينبغي في الوقت الذي ينبغي. وهي الحكمة ذاتها التي أكدها المليار, عندما جاء كفعل صحيح, بطريقة صحيحة في الوقت الصحيح. ويتطلع الجميع إلى أن يكون هذا المليار فاتحة خير لمليارات عربية أخرى, توجه كلها لإعمار غزة وبناء أجيالها.
فيكفينا من بعض الساسة (العظام) أنهم يعدون كم قناة فضائية (ثرثروا) فيها, أكثر من عدهم كم (طوبة) بنوا بها جداراً في فلسطين يتقي به الأطفال برودة الجو القارس.
Ra99ja@yahoo.com