لم يدر بخلد الشاب الرسي (الوفي) محمد بن منصور بن ريّس (محمد الضلعان) أن مشاركته مطياً ظهور الابل في قافلة من حجاج القصيم وغيرهم والمتجهة عبر قفار وصحارى وأودية نجد وهضابها وصولاً إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وذلك في منتصف القرن الثاني عشر الهجري أي بحدود عام 1160هـ. أقول لم يكن يدر بخلده أن مشاركته في هذه القافلة التي يرأسها صالح بن رخيص سوف تسجل اسمه في سجل الرجال الأوفياء عبر الزمن والقصة والتي أشبعت تناولاً هنا وهناك هي شاهد لما يتحلى به أجدادنا من أهل هذه البلاد من صفات الرجولة والوفاء والشهامة منذ تاريخهم الأول وهي بلا شك قصة ثرية يستفاد منها الدروس في كيفية حفظ الود والعشرة وقبل هذا وذاك الوفاء وشجاعة الرجال.. تقول القصة كما أجمعت الروايات أن قافلة من حجاج القصيم تمتطي ظهور الإبل برئاسة (صالح بن رخيص) كانت عائدة من المشاعر المقدسة بعد أداء فريضة الحج وفي أثناء العودة أصيب أحد أعضاء القافلة (جارد بن ذياب) ويقال إن هذا الرجل من قبيلة حرب أصيب بمرض (الجدري) وهو كما نعلم مرض شديد يحيل الجسم كله إلى شبه الزجاج بفعل القيح والصديد إضافة إلى الحرارة الشديدة والآلام المبرحة عندها احتار الرفاق بأمر صاحبهم فرأى البعض ومنهم رئيس القافلة أن تواصل القافلة المسير وأن بقاءهم في هذه الصحراء المقفرة أمر غير مقبول والحل أن يصلب المريض أي يعمل له ما يشبه السرير من غصون الأشجارويرفع على ظهور أحد الإبل لمواصلة المسير إلا أن هذا الحل لم يعجب إطلاقاً هذا الشاب الرسي الوفي (محمد بن ضلعان) فأبدى امتعاضه ورفضه الشديد لهذا الإجراء وقال لقائد الرحلة لو أنكم صلبتم على ظهور الإبل رجلاً صحيحاً لاشتكى الألم فما بالكم برجل وقد أصبح جسمه طافحاً بالقيح والصديد والألم بأن يصلب على أحد الإبل والمسير به عبر هذه الصحاري والقفار البعيدة ولكن ابن رخيص والبعض من المرافقين أصروا على حمله لأنه والكلام لرئيس القافلة ليس من المعقول أن تعطل قافلة كاملة من شأن مرافق واحد إلا أن شهامة ورجولة ووفاء محمد بن منصور بن ريس رفضت كل ذلك وأصر على البقاء مع المصاب في منطقة نائية موحشة لا أثر فيها إلا للذئاب والوحوش والطيور الجارحة وهي منطقة (بلغه) وهي جبال تقع بين المدينة المنورة والقصيم يدعها طريق القصيم - المدينة السريع حالياً عن يسار الذاهب إلى المدينة. بقي ابن ريس مع رفيقه في هذه الجبال والسهال ما يقارب ثلاثة شهور يمرض رفيقه ويصيد له الحبارى ويضمد جراحه ويواسيه حتى كتب الله له الشفاء وعاد الاثنان إلى مدينة الرس واستقبلته والدته وذووه وأهالي الرس بشوق كبير ويقال إن والدته قالت له حيا الله أبا الضلعان كناية لطول مكوثه في هذه المناطق الجبلية بعيداً عن والدته وأهله ولكن في سبيل الوفاء والرجولة كل شيء يهون.. وقد تسمت عائلته باسم الضلعان حتى هذا اليوم وأنجبت أسرته العديد من الرجال الذين كان لهم ولا يزالون حضوراً مشرفاً في كافة القطاعات الحكومية والأهلية وكان محمد بن ريّس (محمد الضلعان) قد استوقفت أحد أعضاء الرحلة قبل مسيرهم تاركينه والمصاب ليحلمه لوالدته في الرس بعضاً من الأبيات التي توضح لوالدته وأسرته الظروف الذي جعلته يتخلف عن العودة التي يقال إنها يتيمة وهي:
|
قل هيه يا هل شايبات المحاقيب |
افقن من عندي جداد الاثاري |
اقفن بلا رخصه كما يقفي الذيب |
لا طالع الشاوي بليل غداري |
لكن لسب أذيالهن بالعراقيب |
رقاصة تبغى بزينه تماري |
يا ابن رخيص كب عنك الزواريب |
عمارنا يا بن رخيص عواري |
خوينا ما نصلبه بالمصاليب |
ولا يشتكي منا دروب العزاري |
لزما تجيك أمي بكده لواهيب |
تبكي ومن كثر البكاء ما تداري |
تنشدك باللي يعلم السر والغيب |
وين ابني اللي لك خوي أمباري |
قل له قعد في عاليات المراقيب |
في سهلة ما حوله الا الحباري |
يتنى خويه لين يبدى به الطيب |
والا يجيه من الصواديف جاري |
وان كان ما قمنا بحق المواجيب |
حرمن علينا لابسات الخزاري |
محمد الخربوش |
|