كلمة (التصافي) مشتقة من الصفاء، ومعنى الصفاء: ضد الكدر وهو خالص الشيء. ومعنى هذا فإن التصافي في البيوت هو إخلاص المحبة والمودة من الجميع للجميع. التصافي يدل على أنه كان صفاء ثم شابه كدر ثم حصل التصافي. ما يحصل في البيوت من كدر (ما لم يتعد الخطوط الحمراء) ثم يعقبه التصافي إنما هو من ملح الحياة وطرائفها. فالتصافي فيه تجديد النشاط، وبعث لروح التسامي، وتلمس المخارج وسبل تحقيق الصفاء، وأخذ الدروس والعبر، والتجارب التي تثري صفحات الأجيال القادمة.. ولعل من سبل المحافظة على الصفاء والتصافي بعد حصول الكدر ما يلي: أولاً: أعلم أخي الكريم أن وجود الأضداد في هذه الدار سنة إلهية، ولو شاء ربك لجعل الحياة على نمط واحد، والناس أمة واحدة، والسعادة أو ضدها دائمة، والصحة أو ضدها دائمة، وهكذا ولكن أولى الناس به الأنبياء، ولكن المطلع على سيرهم صلوات الله وسلامه عليهم يدرك جيداً أنهم حقاً: أشد الناس بلاءً وامتحاناً، ابتلي نوح في بيته في زوجته وولده فصبر، وابتلي إبراهيم بزوجة لم تلد له إلا على كبر فصبر، وابتلي لوط بزوجة كافرة فصبر، وابتلي يعقوب بفقد أبنائه فصبر، وابتلي أيوب بفقد أهله كلهم فصبر، وابتلي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في اتهام زوجته عائشة كما في حادثة الإفك فصبر، (وكانت العاقبة للمتقين). فإن رمتَ أخي المسلم سلوك سبيلهم فاقطع مطامعك عن اللحاق بهم إلا أن يصيبك ما أصابهم أو بعض ما أصابهم.
ثالثاً: المحافظة على دوام الصفاء غير ممكن، ولكن التصافي ممكن فلا تيأس منه فإنه لو كلف الله الناس ما لا طاقة لهم به لكان البحث عن الأسباب من العبث والله منزَه عن النقائص والعيوب (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ).
رابعاً: من أعظم معوقات التصافي في البيوت المبالغة في الرسميات واستقصاء الحقوق، فلا بد من التنازلات حتى تستقيم أحوال البيوتات.
* حائل