لا أدري لماذا نجعل دوماً من الأوهام حقائق، ولماذا نؤمن بذلك، ولماذا نطلب من الناس أن يؤمنوا بذلك، ولماذا نتشدق بالوطنية وفي الوقت نفسه نبيح لأنفسنا إزهاق دم الوطنية هنا وهناك، ولماذا نمضي في الخطيئة ضد قيمنا ومبادئنا وناسنا وأهلنا ووطننا، ولماذا نزهو بتقليد الغير (عمياني)
دون وعي وإدراك ومشاعر وشعور، ولماذا ندعي الكمال والنزاهة ونحن نغوص حتى رؤوسنا في وحل الخطيئة والانكسار، ولماذا نصل إلى نقطة اللاعودة في كل الأمور فنرجع إلى الصفر بخفي حنين، ولماذا لا نوازن بين الوهم والحقيقة، وبين الواقع والخيال، ولماذا نفرط بالتفاؤل ونحن لم ندرك ما الذي نريده بعد، ولماذا نترك فضاء الساحة للمرتزقة والأقلام المأجورة ينشرون فكرهم الغث المريض ويتكاثرون بيننا كالذباب، حتى صاروا مثل نباتات الفطر في الأراضي الخربة أو كغثاء السيل يملؤون بأصواتهم المبحوحة وأقلامهم البائسة زوايا الوطن نفاقا وكذبا وبهتانا، ولا يقدموا للوطن سوى التطبيل والتزمير والمبالغة والقيح والصديد والأدران والبكتيرياء القاتلة، لماذا نمنحهم هذه الفرصة ونحن نعرف يقينا بأنهم مرضى يتلبسون الوهم وتسطيح الأمور ويملكون خواء الفكر والروح والإبداع، ولماذا نحن شعب يغلب عليه طابع العاطفة دائما وكثيرا ما ننساق وراء عواطفنا دون تفكير بالأسباب أو تدبر بالمصلحة المتانية حتى جعلنا الآخرين يقرؤون جيدا تصرفاتنا بوضوح تام ثم يتدخلون في خصوصياتنا حيث يشاؤون ويريدون، ولماذا دائما نحن نئن مخنوقين ونزحف بخطى منفلتة محاولين طمس آثارنا بين ثنايا الأرض وانتفاخاتها الطينية الرخوة، لماذا نحاول أن نشرع أذرعتنا للآخرين الغرباء وننسى بعضنا البعض، لماذا أرواحنا أخذت تغلفها الرؤى السيئة وتترسب في أعماقها صور الجحود والنكران، لماذا ما نبرح نحوم فوق التخوم الواهية، ولماذا صارت أحلامنا أضغاث ولأجسادنا ارتعاشات قلقه، لماذا نحن نتمسك بخيوط الفجيعة ونستشف بوادرها من خلال اضطراباتها المفضوحة الناجمة عن الأحداث، لماذا لشفاهنا ترنيمات لها وقع مخالف، ولماذا ما زالت أزمنة الوهم وانعطافات سنين الجدب الموحشة تلوح لنا بين فينه وأخرى، لماذا نحس برمال فواجعنا ومآسينا وهي تسفي كاشفة عن معالم ما اقترفته أيدينا في ما مضى من سنين أعمارنا، لماذا نبقى راسخين في مآسي مهاتراتنا، ولماذا نطوف دوما بين ركام الهم والغم والحزن ونجعلها ترسم لنا بأدخنتها السوداء هالات متأرجحة ومترنحة في فضائنا الرحب وننسى تجليات الفرح وجمالياته، ولماذا لا نركب الصعاب بتحدٍ ونروضها لبلوغ مآربنا، لماذا نحن دائما حراس للماضي نشتد إليه ونمد إليه أيدينا ونحاول أن نمسك عنوة بذيوله، ولماذا يعترينا الخوف من المستقبل ونرتجف منه بأجساد ناحلة مثل سعفة نخل أضناها العطش، لماذا دائما نحاول أن نطفوا فوق المياه رغم المد المشوب بالريح العاتية وسخونة أبخرتها، لماذا عندما نعتلي التل ننعطف باتجاه الخلف نتراءى مفترق الطريق، لماذا ننغمس بالأشياء التي احتوتنا وتنتابنا أحاسيس وجله تتفاقم بين ثناياها ومن حولها الأسئلة، لماذا نصبح مأوى للظنون وأن تجعلنا منها وجودا منسيا، لماذا نبقى واجمين جامدين ونحن نرى الأشياء من حولنا تمر مر السحاب بوضوح كسواري السفن الضاربة في البحر، لماذا لا ننام بهدوء كالأطفال بل نتأرق، لماذا لدينا ثمة انتظار غامض، لماذا وصل الأرحام لدينا صار مثل نقيق الضفادع الحادة، ولماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟ ........ لقد فاح من أعماقي اشتهاء أن أرقص مذبوحا من الألم لأن هناك ثمة أشياء غامضة قابعة في داخلي ربما كان الرقص مبلغا لمآربي وكشفا لما يجري في مجاهيلنا الاجتماعية.
ramadan.alanazi@aliaf.com