قلة من البرامج الرمضانية هي التي تسعى إلى إيجاد معادلة إنسانية متوازنة يكون طرفاها الإنسان والتسلية الهادفة، أما الكثير منها فإنه ينحو - للأسف - إلى اقتفاء حساسية خطاب الفاجعة الاجتماعية، وتفخيمها حتى تصبح حالة من السعار البكائي، والهرج المتطاول بلا أدنى مبرر فني، أو معاضد تذوقي.
فأغلب المسلسلات الرمضانية تنضح بفواجع الماضي، وتسعى إلى التأثير في المشاهِد ولا سيما الصغار واليافعين ومن هم في أطوار المراهقة، إذ تعيد هذه الأدوار قصص الثأر، وخوابي العار، والانتقام، والعزف على وتر السحر والجان بطريقة لا تخلو من مبالغة في النقل، وتحريف في الحقائق الواردة من الذاكرة الحكائية التي تواترت على مدى عقود بل قرون.
بل تحشد هذه الإطلالات التمثيلية في الليالي الرمضانية للشر جيوشاً لا حصر أو عد لها، والسبب هو الرغبة المفرطة في مد أوصال القصص المعروفة عند العرب حتى تصبح مسخاً مشوهاً لصور المواجهة الدائمة بين الخير والشر.
إلا أن الذي يظهر في هذه الليالي هو الميل الشديد إلى تمثيل عناصر الشر التي يعد لها بمبالغة، ودون رجاء أي فائدة ممكنة، ليطلق عليها (دراما خليجية) وكان من الأجدى أن نقول عنها: (مناحة خليجية) إذ لا أثر لها في الواقع، وإن وجدت فهي محدودة الحدوث، وقليلة الأثر، ولا تستحق هذا الإطناب والتهويل.
فالتصوير الدرامي لمثل هذه القصص من الأسلم له ألا يتعدى تسليط الضوء على أي قضية اجتماعية، وذلك من خلال تضامن الوعي الإنساني مع أصحاب هذه المشكلة أو تلك، فلم يثبت أن قام أي فريق عمل بتعزيز الروابط الإنسانية في رمضان، أو بعده من أجل أن تكون الرسالة مكتملة العناصر ومحققة لفرضية النجاح، وإزجاء المتعة والفائدة.
فالعار والثأر والشر والانتقام والخلافات الدموية، وسلب الحقوق والعقوق والجحود تكثر في قاموس الدراما الرمضانية للأسف وكأننا في مواعيد مناحة مُعد لها بعناية لاصطياد شريحة أسرية، تتمثل في العاطلين، والصغار والفتيان والفتيات لترويج هذه المشاهد التي لا تقدم أو تؤخر في النظرة العامة للإنسان العربي، بل ربما تتحول إلى نقل غير أمين، وإخلال بمنطق السرد الواعي للأحداث، وتجسيد مبالغ فيه للمواقف المعروفة، وحشو لفظي في المشاهد، حيث تتجاوز المعالجة الدرامية للقصص والحكايات ما قصد لها، والهدف منه هو تضخيم الصورة لا أكثر أو أقل.
القلة من البرامج الفكاهية، والتمثيليات الهادفة هي التي ترقى لمستوى الذوق الاجتماعي الذي آلمته حقيقة الصور الحية للموتى، والمشاهد الدامية في كل مكان من العالم، فالمحزن هو أن تتحول ليالي شهر رمضان إلى حالة من تقليب المواجع واستمالة الفواجع واستحضار البكاء؛ هذا ما لا يطاق في الذوق والواقع.
Hrbda2000@hotmail.com