خصائص الإسلام الكبرى المتمثلة في (عالمية الرسالة وخاتم الأديان ومنهاج الحياة) تؤكد عظمة هذا الدين الحنيف وشموليته الكونية، كما أن شعائره التعبدية ومعاملاته الدنيوية تكشف سمو قيمه الإنسانية ورقي مبادئه الحضارية،
خصائص الإسلام الكبرى المتمثلة في (عالمية الرسالة وخاتم الأديان ومنهاج الحياة) تؤكد عظمة هذا الدين الحنيف وشموليته الكونية، كما أن شعائره التعبدية ومعاملاته الدنيوية تكشف سمو قيمه الإنسانية ورقي مبادئه الحضارية، كونها تنسجم مع الفطرة السوية وتتفق مع العقل البشري في عمق العلاقة بين الإيمان والعلم، بين الروح والمادة، بين الشريعة والعمران، لذا فليست العبادات في الإسلام مجرد طقوس روحية أو ممارسات رياضية كما هي الحال في بقية الديانات السماوية (المحرفة) أو الأرضية (الوضعية)، إنما لها أبعاد عظيمة الأثر (روحية وجسدية وعقلية وإنسانية) تمتد من نفس الفرد إلى نسيج المجتمع وصولاً لكل كيان الأمة الواحدة.
اليوم نعيش أجواء تفيض بالروحانية وحب الخير والطمع بالرحمة والمغفرة والعتق من النار بحلول شهر رمضان المبارك، وهو الشهر الفضيل الذي يفضل كل شهور السنة، بخصائص إيمانية عظيمة كعبادة الصوم وفريدة كليلة القدر وعديدة كالصدقة والاعتكاف وختم القرآن الكريم، وهي في تفصيلاتها الدينية ليست غائبة عن الوعي الجماهيري العام لكل الأمة، فحتى الأطفال يعرفون فضل رمضان وشعائره التعبدية، وهذا بفضل الله ثم التوعية الإسلامية التي تقوم بها الجهات الرسمية والشعبية في أغلب الدول تعليمياً وإعلامياً، فضلاً عن الدور الريادي لبيوت الله على مدار الصلوات الخمس، مع مراعاة أن هذه التوعية الفاضلة لم تسلم من التشويه الفكري بسبب اختراقات الإعلام الفضائي، الذي يبث دعايات ضخمة عن برامج ومسلسلات تُعرض في أيام وليالي رمضان وكأنه شهر موائد المأكولات ومشاهد الفضائيات، ما يعني أن هذا الشهر القرآني بنقائه وروحانيته مهدد بالعبث الأخلاقي والعفن الفني، ما لم يتم التأكيد المستمر بوجوب الترابط بين (العبادة والعمل) في حياة المسلم بشكل عام. وعليه فإن كانت التوعية الإسلامية بكل وسائلها ومصادرها، قادرة بعون الله وتوفيقه على تعزيز فضل العبادات ووجوب أدائها بصورها النقية، فإن تلمس الأبعاد الحضارية لهذه العبادات يُسهم في تبيان عظمة هذا الدين وأنه يشكل التكامل الكوني (الدين الرباني والمنهاج الحياتي) بما ينسف كل الفلسفات المادية والأفكار العلمانية.
إن رمضان مدرسة ربانية في تشريعها وتوقيتها، مناهجها سماوية وليست أرضية، مدرسة لا ينحصر تعليمها في عبادة الصوم من طلوع الشمس إلى مغيبها، إنما في تكريس قيم إنسانية سامية ومبادئ حضارية راقية لم تستطع كل دساتير الدنيا وقوانين العالم أن تكرسها بين الناس، لأنها قيم تلتزم الهدي المحمدي الشريف فتلامس طهر النفس وتنساب مع رغبة الروح في ما عند الله سبحانه، قيم كأنها الفوانيس في ظلام مادية الحياة المفرطة، لأنها تعلمنا قيمة (الانتظار) وكيفية (الانضباط) في تدريب عملي بين وقت الإمساك وعند الإفطار، قيم تؤكد فينا أهمية (التكافل) الاجتماعي فتجعل قلوبنا شاعرة بألم ومعاناة الضعفاء والمساكين حولنا، وخطواتنا عاجلة لمساعدة غيرنا، قيم تصور لنا عظمة (العفو) عندما تجعل نفوسنا صافية تجاه كل من يتعامل معنا، أو يمر في طريقنا، كما تجعل عيوننا غافلة عن من أخطأ بحقنا لأنها معلقة بفضيلة (اللهم إني صائم).
قيم تروض نفوسنا على (الالتزام) الحقيقي القائم على حب الخير وفضيلة الاعتدال وعدم الانسياق الأعمى وراء زخرف الدنيا، قيم تدلنا على (الصحة) الفعلية التي توازن بين حاجة الجسم من الطعام وغذاء الروح من العبادة، قيم تحقق فينا (الوحدة) المنشودة عندما تجتمع الأمة في بيوت الله تتلو كتابه وتناجي ذاته وتستلهم عزته وترجو نصره، قيم تدفعنا إلى (الإنتاجية) الإيجابية وفق عقليات واعية تؤمن بأهمية الوقت وتنظيمه بين ذكر وعبادة وعمل وصلة وعطاء، قيم تنمي فينا (الصبر) و(قوة التحمل)، فكل ظفر جاء من صبر لذا كان رمضان شهر الانتصارات.. فكما هو وسيلة الانتصار على شرور الشيطان، كان تأريخ الانتصار على ألوان الطغيان، فكانت غزوة بدر الخالدة، وفتح مكة العاطرة، وموقعة البويب الفاصلة، ومعركة عين جالوت الحاسمة.. وغيرها من أمجاد رمضانية اجتمعت فيها نفحات الإيمان بصدق وإخلاص الإنسان وذكرى الزمان وعبق المكان. تلك القيم العظيمة تجتمع في منظار الواقع اليومي لترسم بعداً حضارياً يتجسد في لوحة جلية المعالم عن الحياة الحقيقية التي ينشدها الإنسان اليوم، تقول: الدنيا مزرعة الآخرة.
Kanaan999@hotmail.com