من استبدت به ذاته وصار حضينا لها عجز عن قراءة الذات الأخرى، وإن قرأ شيئاً خالطه سوء الفهم والفهم الخاطئ، وهذا ما يقوده بما يراه الرديء من عقله إلى ضلال في المسيرة، وخطأ يعيق قدرته على تهذيب هذه الذات فيزيد العجز لديه أن يتواصل مع مجتمعه بروح إيجابية يشاركه
طموح العمل الإيجابي، وكل حركة تطور ونماء.
والذات وفق هذا ستملي وتوجه كل فعل يقدم عليه الإنسان حيث إن حركته محورها تلك الذات لتلتف عليه برغباتها وما تهوى، وستوجه سلوكه بما يلغي عقله أو يضيع معه كل رشد ووعي، فيسخر طاقته لها فقط، إذ أخذته أنانية النفس إلى زاوية انفردت به وانفرد بها، فصار مفرطاً في إحساسه بها لا يسمع إلا منها ولا يوجه مسيره غيرها.
لقد أخذته إلى ما وراء الوراء فلم يعد مكترثاً بواجب اجتماعي، أو دور له فيه إلا من خلال خريطة فساد وإفساد، فصار شديد الانتقام لنفسه لا يتسامح أو يعفو حيث لا مكان في الأعماق يستوعب التوجيه الرباني حول الكاظمين الغيظ أو العافين عن الناس.
ومثل هذا في نفسه ومع ذاته من الدوافع التي تعميه فلا يرى في طموح المجتمع والرغبة في التطور أي معنى ينشد له أو يساهم في تحقيقه، وقد يلتقي بهذا الإنسان وذاته من خذله عقله، وانحدر كل ما فيه في زاوية ضيقة يسودها الظلام فيكثر سقوطه وعثراته في الحفر والمنعطفات التي تكسر العظم، ومثل هذه الذات التي وجودها لا فاعلية له تحمد عليه سهل التأثير عليها فينخرط في رزمة صانعي الشر ومروجيه، وهم قوم لا يسود عليهم إلا من هو مماثل لأيمن الظواهري.
إن الإحساس بالذات والثقة فيها طبع تستقيم معه الحياة لنكون في الأعماق منها، ومتى خرجنا عن هذا الوسط فهو تطرف تشير إليه اليد الواحدة، فهو ما بين اليسار واليمين أو ما هو أبعد من ذلك.
وللمشهد مثال ونموذج من الناس أحدهما أراد أن يقتل لعل شيئا من مكاسب الصيت تحقق الذات، فهو مدفوع بانتماءات مشبوهة وخطرة وضارة، والنموذج المقابل قد مارس على الذات السبيل الأحسن حيث استجاب للتوجيه الرباني، فانطبق عليه قول الحق: { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فعلى الرغم من المأساة التي تحيط بالموقف فلقد تسامى على دواعيه وكل ظروفه ونتائجه، وعلى النوايا من ورائه فقدم التعزية في وفاة مجرم أراده قتيلا وأراد الله له الحياة بحيوية تميز عمله ومهمات مسؤوليته، فنجا المستهدف -الحمد لله- ليموت المجرم الذي لا تحركه إلا أسوأ أنواع الشرور، فهل من عبرة بمقدور أيمن الظواهري استيعابها!
فالمشاهد يؤكد خير ما في الإنسان، وكان المثال له الأمير محمد بن نايف، وبالمقابل من كان فاعلا للشر الصورة الأخرى للمشهد، فهنيئا للوطن برجاله الذين منهم من حمل ذاته على كفه لتؤدي الكف الأخرى واجب البناء والتطور في رحاب الأمن والسلام.
ليس في هذا زلفى أو إطراء، فكتاب المشهد مفتوح لطالب المعرفة، ومتى استوعبها وفق تسلسل أحداثها فهو يشخص حالة، وما أحاط بها من الناحية النفسية، ومن يقود هذه الرزمة من الشباب له يوم كالح سواده حيث طريقه ضال فقد معه الوجهة الصواب نحو الهدف الصائب، وإن كان عذره وعذر من يعمل معه ويأخذ بتوجيهه ما تمليه الذات المنحرفة على عقولهم الضالة، فهي ذات لا صلة لها بالإنسان والجميل من حوله.
{1} الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ {2} الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {3}مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ {4}إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {5} اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6}صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7}.