التاريخ يتذكر البناءة، والمنجزين والمنحازين للمدنية والتطور، وأصحاب الإسهامات الإيجابية في تاريخ البشرية والإنسانية، ويذكر المتشددين المعارضين على عجل، مع إشارة إلى أدوارهم السيئة التي تفشل دائماً في النهاية؛ لتكريس التخلف وإعاقة التطور.
التاريخ يحيي ذكرى مَن قام ببناء دولة حديثة، ويتذكر مَن عاونه وناصره، ويمر مروراً عابراً وساخراً أحياناً، على مَن قاوموا فكرة إنشاء الدولة إدارياً واقتصادياً وعسكرياً أو فكرياً ولم يستوعبوا اتجاه التاريخ؛ لذا يأتي ذكر متكرر لقيام الدولة السعودية بإشادة ظاهرة، ويذكر المؤسس كما يذكر من خلفه في مسيرة البناء والتنمية، ومن سار على نهج وضع الدولة الحديثة على مسار تطورها، وعلاقاتها مع العالم خارج عزلتها.
ويحفظ التاريخ - كما نفعل نحن أيضاً - جهده في تدعيم ركائز الدولة وبناء مؤسساتها الأولى رغم المعارضات التي وجهت بها بعض الإجراءات التنظيمية من تيارات محلية تقليدية معزولة فكرياً وجغرافياً، وليست مؤهلة لمعرفة اتجاهات الكون من حولها، ويحمل التاريخ الاجتماعي صوراً مدهشة لمعارضة متكررة من تيارات متشددة لبدايات التطوير والتنمية، بدءاً من التعليم والإعلام والتقنية حتى توسيع مجالات العمل والابتعاث، لكن خطوات التطوير المتواصلة ظلت مستمرة في مسيرتها إلى الإمام دائماً، وكان ذلك قدرها المستمر، على الرغم من تكرار محاولات إيقاف القاطرة عن مسيرتها نحو المستقبل، ناهيك عن رفض فكرة القبول بالوطنية، لنتذكر أن الملك عبدالعزيز قال في 1929م: (إن حب الوطن من الإيمان)، لكن (الوطنية) والولاء للوطن ما زالت فكرة غير مقبولة لدى هذا التيار.
وللتيار التقليدي المتشدد الذي يسجل له قدرته على التأقلم في المواجهات الحاسمة التي تتجاوزه، سجالات مستمرة في شأن إعاقة التنمية والتحديث، لكنه ليس تياراً بأهداف سيئة عن قصد بالضرورة، إلا أنه يحمل رؤية قد تبدو للمراقب قاصرة؛ وبالتالي لا يمكن الاتكال عليها في تحديد المسارات أو اتخاذ القرارات التي تتدخل في تشكيل علاقتنا مع العالم الخارجي، ومن ثم دور أقل في صياغة علاقتنا الداخلية ووعينا العام، هذا عوضاً عن توجيه قرارات تتعلق بمستقبلنا ومستقبل الأجيال التالية، في عالم متغير.
وفيما نحتفل بيومنا الوطني - بعد سنوات من تحريمه -، قدم الملك مجدداً الجائزة؛ صرحاً علمياً التفتت إليه أنظار العالم لتشهد ولادة مستقبل سعودي باهر.
التيار المجتهد ذاته عاد يتحدث عن هواجس وخوف من العلم ومساحاته المفتوحة والحية، لكن المنجز الأثير بقيمته ورمزيته تحقق، وارتفع صرح جديد، حلم وجامعة عبدالله بن عبدالعزيز، منارة مضيئة على خطى وتوجهات المؤسس والإصلاحي.. (الملك عبدالعزيز).. نحو العالم الأول.. وللحديث بقية..
إلى لقاء..
* * *