في لجة التشويه الإعلامي العالمي لصورة الإسلام في نفوس سكان هذا الكوكب، ومحاولات بعض وسائل الإعلام الغربية النيل من هذا الدين العظيم، تبرز المناسبات الإسلامية التي تنقلها الفضائيات كشاهد على سمو هذا الدين، والارتفاع بأتباعه إلى نبل أهدافه ومقاصده.
من الصعوبة بمكان أن ينتظم مئات الآلاف من الناس في لحظات ليستووا في الصفوف، وينقادوا لإمام الجمع في انسيابية لم تعرف لها البشرية مثيلاً في حياتها، لكننا نشاهدها رأي العين في الحرمين الشريفين عندما يأمر الإمام بتسوية الصفوف، ويكبّر للصلاة، والجميع في عبادة وخشوع واطمئنان حتى تنقضي الصلاة.
وفي الحج، مئات الآلاف من البشر، على اختلاف لغاتهم، وثقافاتهم، وعاداتهم، وطبائعهم المجتمعية والشخصية، يرسمون أجمل مشاهد الانتظام والطاعة للقوة الروحية التي تدفعهم لذلك. في منى، وعرفات، ومزدلفة، ثم في منى، والمسجد الحرام. عبادات يؤديها المسلمون بروحانية وانسيابية أعجزت (قوى ومنظمات إدارة الجموع) عن الإتيان بمثلها في مكان آخر غير المشاعر المقدسة.
هذه المناسبات الإسلامية التي تحتشد فيها الجموع، وترسم أجمل صور الانتظام والطاعة لتشريعات الإسلام هي برهان عملي يتكرر كل وقت صلاة، وكل مناسبة حج من شأنه أن يكون أقوى متغير مؤثر وفاعل يمكن أن يصحح الصورة الذهنية المشوهة عن الإسلام والمسلمين، بل هو من وسائل دعوة غير المسلمين لمعرفة ما يمكن أن يحدثه هذا الدين في نفوس أتباعه، حين يرتقي بهم إلى سمو الروح، والتفرغ -في لحظات من اليوم أو العمر- إلى التعلق بالخالق جلا وعلا، وهي رسالة ضمنية تدعو غير المسلمين إلى الانعتاق من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن عبادة الدنيا إلى عبادة خالقها.
هكذا ينبغي أن تكون مناسبات المسلمين، وبخاصة الحج. عبادة وتجرد، خالية من الرفث والفسوق، مُنزَّهة عن الأهواء، مُبعدة عن شوائب الاستغلال السياسي لدول أو أحزاب أو جماعات أو أفراد.
وعندما تعمد أي من هذه الجهات إلى تعكير صفو الحج، والمزايدة على روحانياته، واستغلاله لخدمة مصالح معينة فإن ذلك يعني إقصاء هذه الفريضة من سمو غايتها، واستثمارها لتحقيق مآرب شخصية، أو تحصيل أطماع سياسية، بما يضر الجهة نفسها أولاً، ثم صورة المسلمين في العالم ثانياً.
ولأن المملكة هي قبلة المسلمين، ويفد إليها الحجاج من مشارق الأرض ومغاربها، وشعائر الحج إنما تكون في المشاعر التي تحتضنها، فإن مسؤوليتها الأولى أن تحفظ لهؤلاء الحجاج أمنهم وسلامتهم ليؤدوا شعائرهم على الوجه الذي جاءت به شريعتهم. ولذلك فإن الدولة كلها تكون في استنفار كامل بكل مرافقها لضمان هذا القصد وتحقيق هذه الغاية : أمن الحجيج وسلامتهم.
ويسبق هذه الشعيرة العظيمة تأكيد من القيادة السياسية والأمنية على (أن سياسة المملكة لا تسمح لأي جهة بتعكير صفو الحج والعبث بأمن الحجيج ومحاولة شق الصف الإسلامي)، وهي بذلك تؤكد على وصول هذه الرسالة الصادقة الواضحة إلى كل من في قلبه مرض ممن يبتغي تغيير مسار الحج ليكون مناسبة للاستغلال السياسي أو تحقيق أطماع إستراتيجية على حساب فريضة المسلمين.
إن من يريد ذلك لا يريد الخير للإسلام ولو تلبس بردائه، ولا يريد الخير للمسلمين ولو ادعى وحدتهم واستقلاليتهم، ويفتح باباً للعبث بالمقدس الإسلامي يمنح الشرعية لغير المسلمين الذين هم أبعد عن فهم الشعائر الإسلامية وقدسية المكان والزمان لأن ينتهكوا حرمات المكان المقدس. ولذلك فإن من يستحل العبث في المسجد الحرام، أو الشغب في المشاعر المقدسة، إنما يعطي ذريعة لليهود للعبث بالمسجد الأقصى؟!!