حين تخلّى والدها عن تربيتها والنفقة عليها وإخوانها، عاشوا مع والدتهم بعد أن حصلت من المحكمة على صك الولاية والنفقة، وعانت الأم من توفير مصدر رزق يكفل لأبنائها حياة كريمة. إلا أن ذلك لم يثنِها عن تعليم أبنائها وبناتها وحثهم على الالتحاق بالكليات التي تضمن لهم الحصول على وظيفة في سوق العمل حتى لا يبقوا عالة على غيرهم وعبئاً على وطنهم.
ودرَس الأبناء في تخصصات مختلفة، واختارت الفتاة تخصص مساعدة طب الأسنان، وتخرجت من الجامعة بتقدير ممتاز واتجهت للتوظيف في أحد المستشفيات، وجهزت أوراقها وتقدمت للمقابلة الشخصية وتجاوزتها ونالت الثقة والقبول وتفوقت على زميلاتها، لكنها واجهت مشكلة ضرورة توقيع ولي الأمر على الموافقة بعملها في المستشفى مصدقاً من عمدة الحي. لكن العمدة رفض التوقيع بحجة عدم الاختصاص، رغم إرفاق الصك الشرعي المصدّق بالحكم بالعيش عند والدتها، وتولي الأم النفقة.
وبعد عدة محاولات فاشلة اتجهت الفتاة مع والدتها لعمدة حي آخر وتم توقيعه بعد التأكد من الأوراق الرسمية وتثبته شخصياً من الوضع، إلا أن إدارة التوظيف في المستشفى بدأت بالمماطلة في توظيفها بحجة عدم موافقة ولي الأمر (والد الفتاة). وتعدى الأمر ذلك حين قامت مسؤولة التوظيف الطبي بمناصحة الفتاة باعتبار أنها ارتكبت كبيرة وفعلاً منكراً بعدم أخذ موافقة الوالد والخروج عن رأيه، رغم أنه لا يسأل ولا ينفق، وتخلى عنها وعن إخوتها منذ سنوات عديدة.
أوليس الأجدر معاملتها كأي موظفة وافدة، لربما حصلت على الوظيفة بسهولة؟!
استمرت محاولات الفتاة في المطالبة بحقها في التوظيف مما حدا بإدارة المستشفى بتحويل الموضوع للمستشار القانوني لديهم، الذي وعدها بإرسال خطاب لوزارة الداخلية إلا أنهم تخلوا عن الأمر وأبلغوها بوجود قائمة طلبات توظيف لهذه الوظيفة، وأنه سيتم الاختيار من بينهن. فأصيبت بسبب هذا التعنت والصلف والتعسف في التوظيف بحزن عميق وسكن القهر قلبها الغض بعد نضالها طوال تلك السنوات ولم يشفع لها تفوقها الدراسي.
وبرغم أن وزارة الداخلية قد سهلت للمرأة إصدار بطاقة حفظاً لحقها وحفاظاً على الوطن إلا أنها لم تقف مع المرأة في حقها بالتوظيف! فهل يحكم على الفتيات اللاتي يعشن مع أمهاتهن وتتولى النفقة والمسؤولية أن يبقين دون وظيفة ومورد للرزق برغم افتراض الأولوية لهن قبل سواهن، لتوفير لقمة العيش وبذل المساعدة لهن في ذلك للاعتماد على أنفسهن؟!
أفلا تستحق المرأة المثابِرة المناضلة العصامية عملاً محترماً، ودخلاً كافياً، ومنزلاً واسعاً، وحياة هانئة تبعدها عن شبح الخوف والعوز؟ أم تظل المرأة أسيرة الذكَر وتحت سيطرته الذكورية، فيعمد إلى مصادرة إرادتها وحريتها واستغلالها وإذلال إنسانيتها؟
ألا يمكن أن يكون ذلك أحد أبواب الوأد الحضاري والدفن المعنوي للمرأة في مجتمعنا المسلم؟
فمتى تبلغ المرأة السعودية سن الرشد الاجتماعي حين لم يشفع سن الرشد العمري لها في التمتع بحقوقها التي كفلها لها الإسلام، وضمنها لها الوطن بلا منَّة وتدخٌّل من أحد؟!
www.rogaia.net