دلفت خلال إحدى الليالي الماضية إلى مكتبة لاقتناء عدد من الكتب، جرياً على ما تعودته منذ سنين خلت، أُدوّن جملة من العناوين التي أمر عليها خلال المطالعات المعتادة فأجمع ما أشعر أنه يناسبني ويروق لي حتى إذا ما وجدت فرصة سانحة لجلبها فعلت، فالمهم أن تكون بحوزتي قريبة المتناول، وهذا الإجراء يتيح فرصة تنويع القراءة ويجلب التشويق ويبعد السأم من طول الاطلاع على منهج وفن من العلوم، كنت مزهواً وأنا أحمل كتباً بينها واحد للعملاق الفذ د. غازي يرحمه الله، وآخر للمتألق د. عبد العزيز الخويطر، فإذا بصوت من هاتفي المحمول يعلن عن قدوم رسالة مفادها أن سيارة مسجلة باسمي قد ارتكبت مخالفة مرورية تلزمني بدفع غرامة قدرها (500) ريال، لا بأس يا أخ ساهر.. سأدفع، ولن يشفع لي أي كتاب أحمله، ساهر لا يعرف إلا ثقافة وأدب القيادة، والفن والذوق عنده تقررها مهارات قيادة المركبة على الطريق، لا يؤمن بسرعة الإنجاز الذي يؤدي لغرفة الإنعاش أو المقبرة أو دار المعاقين، ما زال ينادي ويردد: إذا كنت مستعجلاً فلا تسرع، ويقدِّم صوراً مؤلمة تقشعرّ لها الأبدان لشباب غضّ البدن قليل التجربة، سلّمت لهم سيارات تسابق رياح تسونامي في ظلِّ تراخٍ وتسامحٍ في الأنظمة لم يقدروه حق قدره، فأصبح هامش المرونة مع ضعف الوعي وهشاشة برامج التوعية مفرمة للأجساد الشابة المتهورة وتنال من آخرين لا ذنب لهم إلا مصادفة مرورهم في ذات الطريق ساعة حدوث المصائب، ساهر ومن يقف خلفه هبوا هبة الرجال المخلصين، ملبين نداء المكلومين والثكالى والأيتام من ضحايا الحوادث، لم يجد سوى فرض الغرامات إذ لم تجد النصائح، وضاعفها حينما قالت التقارير إن بعض العقول لم تستوعب النهج الحضاري في القيادة ولا تقيم وزناً للقيم الإنسانية، هل يقف الأخ ساهر متفرِّجاً يُحصي الأرواح المتناثرة والأنفس المزهقة؟ استعصت الحلول وعزّ الخطاب وفجعت جُل الأُسر بأبنائها، في بلاد كثيرة النظام هو النظام، وكل الاحترام لمن يحترمه، النظام رُقي وحضارة يلازم منظومة الأمم المتقدمة، ولا يحاربه أو ينفر منه إلا من توقف إدراكه في عرض طريق التقدم أو أنه يسير إلى الخلف، ساهر يقول لهؤلاء كفى، واستخدم معهم وسيلة الردع الناجعة التي طالت حتى من يلتزمون بآداب الطريق سابقاً ولاحقاً، الكاميرا لا تفرق، والرصد مؤكد، وعلينا الانضباط، تزعجنا المخالفة ونتحسر على قيمتها، وننسى قيمة الهدف وسمو المقصد والنجاحات المكتسبة، لا بد من التضحية وشيء من القسوة في البداية حتى يستقيم بعض الاعوجاج وتنتبه بعض العقول الغافلة، الثمن باهظ وكبير فإذا كان لا بد من دفعه فليكن بالنقود عوضاً عن الأرواح الطاهرة، أنا لا أُقلل من مبلغ المخالفة وآلمتني الـ(500) فكم كتاباً ستجلب لي أو مصلحة أقضيها بثمنها، غير أن لكل هدف في حياتنا ثمن نُؤديه ولا يعد خسارة عند العقلاء (أرجو الله أن أكون منهم).