جاء في لسان العرب:
عبث: عبث به بالكسر عبثاً: لعب، فهو عابث: لاعب بما لا يعنيه، وليس من باله. والعبث: أن تعبث بالشيء. ورجل عبيث: عابث. والعبثة بالتسكين: المرة الواحدة. والعبث: اللعب، قال الله عز وجل {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً}، قال الأزهري: نصب عبثاً؛ لأنه مفعول له بمعنى خلقناكم للعبث.
وفي الحديث: أنه عبث في منامه، أي: حرك يديه كالدافع أو الآخذ، وعبث الأقط يعبثه عبثاً: جففه في الشمس، وقيل: فرغه على اليابس؛ ليحمل يابسه رطبه حتى يُطبخ، وقيل: عبث الأقط يعبثه عبثاً: خلطه بالسمن وهي العبيثة، وعبثتُ الأقط أعبثه عبثاً، ومثته ودفته: مثله، وغبثته بالغين: لغة فيه، والعبيثة والعبيث أيضاً: الأقط يدق مع التمر فيؤكل ويشرب، والعبيثة أيضاً: طعام يطبخ ويجعل فيه جراد، والعبيثة: البر والشعير يخلطان معاً، والعبيثة: الغنم المختلطة، يُقال: مررنا على غنم بني فلان عبيثة واحدة، أي: اختلط بعضها ببعض، والعبيثة: أخلاط الناس، ليسوا من أب واحد، قال: عبيثة من جشم وبكر. (انتهى)
بعد هذه المقدمة التعريفية القاموسية للفعل عبث سوف أتطرق إلى نوع من أنواع العبث أعتبره في نظري من أخطرها، وأرى فاعِليهِ من أخبث العابثين، ولا أعني به العبث بالمال، ولا العبث بالصحة، ولا العبث بالأفكار من قِبَل ذوي توجهات باطلة على خطورة هذا الصنف، ولكنه أقل خطورة بكل تأكيد من العبث (بالمظهر)؛ لأن العابثين بالمظهر بخلطهم المشين بين الظاهر الصالح والباطن الطالح بإمكانهم العبث بالمال، والعبث بالصحة، وحتى العبث بأبعد وأكثر من ذلك!
فأي مظهر هذا الذي يعبث به هؤلاء المجرمون؟
إنه المظهر الإسلامي للأسف، وأقولها بكل مرارة: واأسفاه، ثم واأسفاه!
كم ظلِم هذا المظهر الذي له منا الإجلال ولمن يحمله التوقير متى ما كان صادقاً.
إن مستغلي المظهر الإسلامي - ولله الحمد - قلة قليلة جداً لا تمثل شيئاً نسبةً إلى الأكثرية الساحقة ممن يلتزمون بالمظهر الإسلامي بشقيه الشكلي والعملي، كما أن العابثين بالمظهر لا يُمثلون إلا أنفسهم الدنيئة، وهم محل احتقار وازدراء الجميع؛ فالصالحون يزدرونهم وينبذونهم أكثر من غيرهم.
كم من مال سُلب بسبب انخداع في مظهر!
وكم من بيت عانى وعانى من مخادع اتخذ الدين وسيلة احتيال!
وكم من نفس حُطمت وروح أزهقت بفعل متدثر بدثار الدين، والدين منه براء!
كم من دمعة حرى لمكلوم أو مفجوع يقابلها ضحكة خبيثة من مجرم تفنن في تغيير جلده وتظاهر بالدين وارتدى لبس الحمل الوديع وهو الثعلب الماكر!
العتاب واللوم والتقريع ليس مُوجهاً لهؤلاء البغاة بقدر ما هو مُوجَّه للمنخدعين بهم الذين لم يتثبتوا ويتبينوا ويتحروا حقيقة هؤلاء الغدارين الماكرين.
أين نحن جميعاً من قول الفاروق أبي حفص رضي الله عنه:
«لستُ بالخِب ولا الخب يخدعني»؟
ثم أين نحن من وصف المغيرة بن شعبة لعمر بن الخطاب حين قال عنه:
«كان والله له فضل يمنعه أن يَخدَع وعقل يمنعُه أن يُخدَع»؟
حُب المرء للصالحين الصادقين أهل التقى الأخيار لا يتعارض مع كُرهه للأفاكين المخادعين حتى وإن كان ظاهرهم (المتصنَّع) يدل على الصلاح.
كذلك فإن الإنسان لا يأثم من تنبيهه وتحذيره لإخوانه من كل مخادع غدار متى ما تبيّن له خداعه وكذبه، بل إنه يؤجَر بإذن الله.
(إشارة)
يقول أحدهم:
لا تجلعن دليلَ المرء صورتَهُ
كم مَخبرٍ سمجٍ في منظرٍ حسنِ
Al-boraidi@hotmail.com