المسافة الطويلة الفاصلة بين الحاكم وشعبه والحواجز المحكمة والأسوار العالية التي يشيدها أزلام النظام وطبالي الزفة والمنتفعون حوله منعاً لوصول أحد أفراد الشعب لقائدهم هي مسببات رئيسية لنقمة الناس وشعورهم بالتهميش والإقصاء بإبعادهم عن المشاركة ولو كانت رمزية بعمليات صنع القرار الذي يمس بالدرجة الأولى حياتهم ومعاشهم.
في بعض دول العالم العربي تزداد الفجوة بين الرئيس وشعبه مع تقادم بقائه في السلطة إذ يحكم قبضته الفولاذية تدريجياً بانتخابات وهمية. لايفيق الناس من غفلتهم والخديعة التي يعيشون في كنفها إلا وقد تحولوا إلى أدوات ودمى يحركون كما يريد سيادته وزبانيته وهذا سر من أسرار انكسارات الشعب واليأس من تغير الأحوال وهو واقع يكشف عن مقدار الفرق بين وضع الفرد في العالم الغربي المتمدن ووضع الفرد في العالم الثالث وهو فرق نوعي توضحه قدرة الدولة الغربية على إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية عبر مؤسسات مجتمعية مدنية متقدمة بدأت مراحل تأسيسها الأولى منذ بزوغ أنوار عصر النهضة الأوربية في حين تدار شؤون الدولة في عالمنا العربي في ظل غياب مؤسسات المجتمع المدني المبنية على تنظيمات شديدة الإحكام والإتقان وتواري البناء العصري الحديث لمؤسسات الدولة الذي يعطي الحقوق كاملة غير منقوصة لكل مواطن مقابل استيفاء كافة الواجبات منهم وبنفوس راضية مما أدى إلى تفشي السلطوية والقمع والفوضى والتحكم في مصائر الشعوب وإزهاق روح العدالة المطلب الشرعي لكل إنسان على ظهر هذا الكوكب الملتهب لذلك ستظل تلك الحكومات تحكم شعوبها على أرضيات تخبئ في بواطنها براكين خامدة قابلة للانفجار في أية لحظة من عمر الزمن الذي لا يرحم أحداً فتجاربه مع الطغاة مريرة. الثورات الدامية والانقلابات العسكرية لا تحدث كما علمتنا أسفار التاريخ إلا في الدول التي تحكمها أنظمة قمعية استبدادية تصادر حريات شعوبها وتنهب خيرات بلدانها. لم يكن ما حدث في رومانيا ويوغسلافيا والعراق وجملة من الدول الإفريقية واللاتينية وما صار في السودان.
في تونس فرض الشعب إرادته فكانت بداية الشرارة لنار عظيمة قد تمتد لتلتهم المزيد من الأنظمة الدكتاتورية غير العابئة بشعوبها المستضعفة وهي شعوب لا يوجد في قائمة مطالبها إلا القليل من العناصر التي تساعد فقط على العيش البسيط. لكنها إذا غلبت على أمرها قد تتنازل عن كل العناصر في مقابل حصولها على رغيف العيش الذي لن تتساهل في سبيل الحصول عليه وبخاصة إذا ما تنامى الإحساس لديها بألم الجوع وضغط الحاجة وشبح المجاعة حينها تهب لتنتزع اللقمة التي سرقت من أفواه الجائعين.
رغيف الخبز «العيش» يمثل الرمز الخالد لكثير من الثورات الشعبية التي اجتاحت أكثر من بلد عربي على مر التاريخ بداية من مصر الفرعونية وإلى يومنا هذا فالفقر والجوع والبطالة والظلم ورغيف العيش هي التي دفعت شعب تونس للثورة التي طردت رئيسه الذي لم تنفعه تنازلاته في اللحظات الأخيرة فقرارات الشعوب نهائية ولا رجعة فيها.