بلا شك، منكم من تابع المحللين النفسيين الذين ردوا ظاهرة الانتحار في مصر للضغوط المجتمعية, وقلة اليد، وشح الموارد المالية، وتكالب الديون ونحوها..
على أن الظاهرة تسربت بسرعة فائقة للمجتمعات المجاورة.., ومنها لحقت بمجتمعنا، إمعاناً في الاتباع، إذ وجد بالأمس رجل خمسيني كان يعمل في الصحافة منتحراً في حمام بيته، وعاملة منزلية تضرم النار بمستشفى الولادة بمكة،..و..و..كثير من الموتى على غير طاعة.. ودون جنون..
وعلى منوال هذه الظاهرة المنتشرة أخيراً كأسلوب لفت أنظار، تأتي الأخبار...
لكن مع تعدد أسبابها، ودوافعها، ومع أنها تحدث، ومع إسنادهم بوجودها أساساً بين البشر في جميع مجتمعات الكرة الأرضية,... إلا أن استفحالها بين المسلمين، واتخاذها ذريعة للتعبير عن الرفض, أو عدم الرضاء، أو اختلاف التوجهات، أو الحاجة للمال سواء لكفاية متطلبات الحياة، أو لسداد ديون تراكمت بأسباب الفاقة، أو لأي أسباب أخرى, فإنها غير مقنعة ولا يمكن تمريرها، وفي المقابل فهي ظاهرة خطيرة من حيث تأكيدها على ضعف الوازع الديني، حيث الشرع يحرم قتل النفس لأي سبب، فلا يميت إلا الله تعالى، وليس من حق أي مخلوق أن ينتهك حرمة الروح، فشأنها لخالقها وحده. وضوابط الاعتراف والامتثال لهذا الحد الرباني، هو الإيمان قاعدة السلوك. ومقيم الحدود...فمن يتعدى حدود الله فهو ظالم لنفسه، آثم بذنبه من ربّاه..إلا من قدر عليه ربه بابتلاء يخرجه عن العقل والرشد.
ما يعنيني من هذه الظاهرة في المجتمعات المسلمة هو التهاون بالدين، القيمة الرئيسة للحياة، فما خلق الله الخلق إلا ليعبدوه، ولا يتم للعبادة قبولها إلا بالامتثال بالطاعة بتطبيقها ضمن ضوابطها، وإقامة حدودها في النفس رادعاً، وفي الفكر ضابطاً, وفي السلوك واقعاً..
مع أن بسط مسببات ودوافع كل سلوك انتحاري نجم في العلن، وتشي بأسبابه, ودوافعه مشاهد ووقائع فردية أو جمعية, فيما يحدث خلال هذه الأيام في الدول العربية, يخص مجتمعاتها، وواقع أفرادها...
إلا أن ظواهر الانتحار والقتل بالإحراق، في الحياة المدنية، لا الموت في ساحات الحروب، ما تكرر منها, أو كانت طارئة، هي سلوك يخرج المسلم عن إسلاميته الصحيحة، مما يؤكد قصوراً لحق بتنشئته وتربيته الدينية الواعية، المكينة.
فإسلامية الفرد القائمة على تربية إيمانية، وعقيدة قيمية، تكبح قدرته على تجاوز حدودها، نواهيها والوقوع في منكراتها ومفاسدها، ومحرماتها الكبرى.
في البدء، على ذوي الشأن العودة لمراجعة برامج التعليم، وقيمه، وتطبيقاته، وبرامج الثقافة، ومؤسسات التنشئة...من قبل ومن بعد..
وعلى الهيئات الإسلامية مراجعة خطط التعليم والتربية في الدول المسلمة، وإن كانت مجتمعاتها تتضمن وجود غير المسلمين، لكن هذا لا يعني التلبس باسم الإسلام, والتحلل منه في آن.
ثم تأتي من بعد, بقية محاور الأسباب وراء ما يحدث الآن، لمحاولة تلمسها وعلاجها.
درءاً لمغبات مستقبلية، فيما ينجم عن الإنسان في محيطه، مما يستدعي رعاية إنسانيته مسلماً أو غير...وكل في دائرته راع مؤتمن.., ومسؤول محاسب.
وعلى الذين بيننا من المنشئين والمربين والمفكرين والمنظرين والمنفذين، اليقظة نحو تربية إيمانية أساسها شريعة الله. تهتدي بأوامره، وتنتهي بنواهيه. تلك لعمري أسس السلام والفضيلة والعيش الهانئ. ومقود القلوب, وعصمة العقول.
اللهم اشهد.